(٢٠٧) بَابُ إِبَاحَةِ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِ [٣٩ - أ] السِّبَاخِ، ضِدَّ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ بِالسَّبِخَةِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَقَوَدُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ يَقُودُ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ بِالْمَدِينَةِ غَيْرُ جَائِزٍ، إِذْ أَرْضُهَا سَبِخَةٌ. وَقَدْ خَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا طَيْبَةُ أَوْ طَابَةُ
٢٦٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ، نَا أَبُو بَكْرٍ، نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:
لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمْ يَدِينَانِ الدِّينَ. وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. وَقَالَ فِي الْخَبَرِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ. أُرِيتُ سَبِخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ" وَهُمَا الْحَرَّتَانِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: "فَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أُرِيتُ سَبِخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ"، وَإِعْلَامِهِ إِيَّاهُمْ أَنَّهَا دَارُ هِجْرَتِهِمْ -وَجَمِيعُ الْمَدِينَةِ، كَانَتْ هِجْرَتَهُمْ- دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَدِينَةِ سَبِخَةٌ، وَلَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ غَيْرَ جَائِزٍ بِالسَّبِخَةِ، وَكَانَتِ السَّبِخَةُ عَلَى مَا تَوَهَّمَ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِنَا، أَنَّهُ مِنَ الْبَلَدِ الْخَبِيثِ، بِقَوْلِهِ: (وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا) [الأعراف: ٥٨] لَكَانَ قَوْدُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّ أَرْضَ الْمَدِينَةِ خَبِيثَةٌ لَا طَيِّبَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِنَادِ، لَمَّا ذَمَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: إِنَّهَا خَبِيثَةٌ، فَاعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهَا طَيْبَةَ -أَوْ طَابَةَ-، فَالْأَرْضُ السَّبِخَةُ هِيَ طَيِّبَةٌ، عَلَى مَا خَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمَدِينَةَ طَيْبَةُ. وَإِذَا كَانَتْ طَيْبَةَ وَهِيَ سَبِخَةٌ فَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ فِي نَصِّ كِتَابِهِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْمَدِينَةَ طَيْبَةُ -أَوْ طَابَةُ- مَعَ إِعْلَامِهِ إِيَّاهُمْ أَنَّهَا سَبِخَةٌ. وَفِي هَذَا مَا بَانَ وَثَبَتَ أَنَّ التَّيَمُّمَ بِالسِّبَاخِ جَائِزٌ.
[٢٦٥] إسناده صحيح. انظر: فتح الباري ١: ٤٤٧؛ وأخرجه البخاري في "الهجرة".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute