سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ [١٣٢ - أ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: "فَفِي هَذَا الْخَبَرِ خَبَرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَدْ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، فَأَمَّا ذِكْرُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ، فَهَذِهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الْمُفَسِّرَةُ، فَدَلَّ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، أَنَّ كُلَّ مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهَارِ مِنَ التَّطَوُّعِ فَإِنَّمَا صَلَّاهُنَّ مَثْنَى مَثْنَى عَلَى مَا خَبَّرَ أَنَّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ جَمِيعًا، وَلَوْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمٍ كَانَ هَذَا عِنْدَنَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ، فَكَانَ الْمَرْءُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ بِالنَّهَارِ، وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَوْلُهُ فِي خَبَرِ عَلِيٍّ: وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذِهِ اللَّفْظَةُ تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِتَشَهُّدٍ، إِذْ فِي التَّشَهُّدِ التَّسْلِيمُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَعْنًى يَبْعُدُ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ الَّذِي هُوَ فَصْلٌ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُمَا مِنَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ فِي الْمُخَاطَبَةِ. لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الْفَصْلِ بِالتَّشَهُّدِ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ يَفْصِلُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُمَا. وَمُحَالٌ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَنْ يُقَالَ: يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَلَامٍ. أَوِ الْعَصْرَ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَلَامٍ، أَوِ الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَلَامٍ، أَوِ الْعِشَاءَ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَلَامٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَرْءُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةً مَوْصُولَةً لَا مَفْصُولَةً، وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبَ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ ثَلَاثًا مَوْصُولَةً لَا مَفْصُولَةً.
وَيَجِبُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَصْلِ وَبَيْنَ الْفَصْلِ.
وَالْعُلَمَاءُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لَا يَعْلَمُونَ الْفَصْلَ بِالتَّشَهُّدِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute