للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَسْتَطِيعِ (١) الصَّوْمَ، وَالْمُجَامِعُ لَا يَدْخُلُ جَوْفَهُ شَيْءٌ فِي الْجِمَاعِ، إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَنِيٌّ إِنْ أَمْنَى، وَقَدْ يُجَامِعُ مِنْ غَيْر إِمْنَاءٍ فِي الْفَرْجِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ أَيْضًا مَنِيٌّ. وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ مِنْ غَيْر إِمْنَاءٍ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَلَا يَدْخُلُ جَوْفَ الْمُجَامِعِ شَيْءٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِهِ شَيْءٌ إِذَا كَانَ الْمُجَامِعُ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَالنَبِيّ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَعْلَمَ أَنَّ الْمُسْتَقِيءَ عَامِدًا يُفَطِّرُهُ الِاسْتِقَاءُ عَلَى الْعَمْدِ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِقَاءَ عَلَى الْعَمْدِ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِمُ لَا يُفَطِّرُهُ إِلَّا مَا يَدْخُلُ جَوْفَهُ، كَانَ الْجِمَاعُ وَالِاسْتِقَاءُ لَا يُفَطِّرَانِ الصَّائِمَ.

وَجَاءَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ بِأُعْجُوبَةٍ (٢) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَزَعَمَ أَنَّ النَبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ"، لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: فَالْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ؟ زَعَمَ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ. فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنْ كَانَ النَبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[٢٠٥ - أ] عِنْدَكَ إِنَّمَا قَالَ: "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ". لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ، وَالْغِيبَةُ عِنْدَكَ لَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ، فَهَلْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّه يَزْعُمُ أَنَّ النَبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ أُمَّتَهُ أَنَّ الْمُغْتَابَيْنِ مُفْطِرَانِ، وَيَقُولُ هُوَ: بَلْ هُمَا صَائِمَانِ غَيْر مُفْطِرَيْنِ، فَخَالَفَ النَبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ، وَاتِّبَاعَهُ، وَوَعَدَ الْهُدَى عَلَى اتِّبَاعِهِ، وَأَوْعَدَ عَلَى مُخَالِفِيهِ، وَنَفَى الْإِيمَانَ عَمَّنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِنْ حُكْمِهِ، فَقَالَ: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء: ٦٥] الْآيَةَ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّه - جَلَّ وَعَلَا - لِأَحَدٍ خَيْرَةً فِيمَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ، فَقَالَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: ٣٦] وَالْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْخَبَر إِنَّمَا صَرَّحَ بِمُخَالَفَةِ النَبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ نَفْسِهِ، بِلَا شُبْهَةٍ وَلَا تَأْوِيلٍ يَحْتَمِلُ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرَهُ إِذْا زَعَمَ أَنَّ النَبِيّ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا قَالَ لِلْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ:


(١) كذا في الأصل.
(٢) نقل الحافظ في الفتح ٤: ١٧٨ جزءًا من هذا التعليق. والقائل بهذا هو أبو الأشعث الصنعاني، انظر: الطحاوي ٢: ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>