للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن وَرَعٍ مبنيٌ على جَهْلٍ، وإنَّما أكَّدَ ذلكَ أنَّها كانت مسألةً حديثةَ الوُرود على أذهانِهم، لم يكن لهم بها سابقُ عِلْمٍ.

ولكن الناسَ حين وقَعوا في ذلك، وعَظُمَت بسَبَبهِ البليّةُ، وجَبَ إظهارُ الحقّ والإِبانةُ عنه، وذلك ما كان من الأئمَّةِ، وأعلامِ الأمَّة، الذين هم قُدْوةُ الناس -كما حكيناه عنهم فيما مضى ...

ولقد سُئِلَ الإِمامُ أحمدُ رحمه الله: هَلْ لهم رُخْصَةً أنْ يقولَ الرجلُ: القرآن كلام الله تعالى ثمَّ يَسْكت؟ فقالَ: "ولِمَ يسكُت؟ لولا ما وقَعَ فيه الناس كان يسَعُهُ السُّكوتُ، ولكن حيثُ تكلَّموا فيما تكلَّموا لأيِّ شيءٍ لا يتكلَّمون؟ " (١).

قال الحافظ أبو بكر الآجُريُّ:"معنى قول أحمدَ بن حنبل في هذا المعنى، يقول: لم يختلفْ أهلُ الإِيمان أنَّ القرآنَ كلامُ الله عَزَّ وجَلَّ، فلمَّا جاءَ جَهْمٌ فأحْدَثَ الكُفْرَ بقولِهِ: إنَّ القرآن مخلوقٌ، لم يسَع العلماءَ إلاَّ الرَّدُّ عليه بأنَّ القرآنَ كلامُ الله عَزَّ وجَلَّ غيرُ مخلوقٍ بلا شكٍّ ولا تَوقُّفٍ فيهِ، فمَنْ لم يَقُلْ: غيرُ مخلوقٍ، سُمّيَ واقفيّاً شاكاً في دينه" (٢).

وقال أحمدُ أيضاً: "كنا نرى السُّكوتَ عن هذا قبلَ أن يخوضَ فيه هؤلاء، فلمَّا أظهروهُ لم نَجِدْ بُدّاً من مُخالفتهم والرَّدِّ عليهم" (٣).

والأئمةُ جميعاً على إنكارِ مَسْلَكِ هؤلاءِ، والتَّشديد عليهم،


(١) رواه أبو داود في "المسائل" ص: ٢٦٣ - ٢٦٤ومن طريقه: الآجري ص: ٨٧ وإسماعيل بن الفضل ق ١١٤/أ.
(٢) "الشريعة" للآجري ص: ٨٧.
(٣) ذكره عنه عثمان الدارمي في "النقض على المريسي" ص: ١١٠.

<<  <   >  >>