اللفظيةُ المُثْبِتَة -كما سبق في المبحث الأول- هم القائلونَ:(ألفاظُنا بالقرآن غيرُ مَخلوقة) ويريدونَ بهذا الإِطلاق اللفظَ الذي هو كلامُ الله المؤلَّف من الحروفِ العَربيةِ، ويُريدون به أيضاً الرَّدَّ على اللفظية النافيةِ القائلينَ:(ألفاظنا بالقرآن مخلوقة).
ولكنَّهم حين أطلَقوا هذه المقالَة -مع صِحَّة مُرادهم- جاء من بعدِهم أقوامٌ وافَقوهم في إطلاق اللفظِ، وأدخَلوا في ذلك فِعْلَ العبدِ وحركَتَه وصَوْتَه، وممَّا أوقَعَهم في ذلك إطلاقهُم القول: إنَّ التلاوةَ هي المتلوُّ، والقراءةَ هي المقروءُ، وقد بَيَّنا فيما سَلَفَ فسادَ هذا الإِطلاق.
فمَنَعَ الإِمامُ أحمد رحمه الله إطلاقَ هذا اللَّفْظِ:(ألفاظُنا بالقرآن غير مخلوقة) لأمْرَيْن:
الأوَّل: أنَّه لفظٌ مُبْتَدعٌ، لم يتكلَّم فيه السَّلَفُ.
والثاني: لِما يجُرُّ من الوقوعِ في المَحذور، كما جَرَّ بعضَ مَن جاء بعدُ من أتباع هذه المقالةِ، فمنهمِ من توقَّفَ: هل يدخلُ في اللفظ صوتُ العبد وحركَتُهُ؟ أم لا؟ وتجرّأ آخرونَ فأدخلوا فعلَ العبدِ وحركتَهُ وصوتَهُ.