وهذا القولُ في الحَقيقةِ هو قَوْلُ الجَهْميَّة الذين أطلَقوا أنَّ القرآنَ مَخلوقٌ، فإنَّ القرآنَ لا يُعْرَفُ إلَّا أنَّهُ اسْمَ للنَّظْمِ العَرَبيّ، والجَهْمِيَّةُ أطلَقَتِ القولَ بخَلْقهِ، وهؤلاءِ وافَقوهُم في كَوْنِ القرآنِ العَرَبيّ مَخْلوقَ النَّظْم، لأنَّهُ مؤلَّفٌ من الحُروفِ، وما تألَّفَ منَ الحروفِ فهو مَخْلوقٌ, لأنَّ الحُروفَ مخلوقةٌ، والله لَمْ يتكلَّم بها، إلاَّ أنَّهم خالفوهم خِلافًا لَفظيًّا في الحَقيقةِ، وذلكَ أنَّهُم ادَّعَوْا لله تعالى صفةَ الكلام، لكنَّهم قالوا: هو مَعنى أو مَعاني مجرّدةٌ، ليسَتْ بحُروفٍ ولا أصواتٍ، وهذا القولُ من أفسَدِ المَقالاتِ، وسيأتي نقضُه عليهم في الباب الثالث في الردّ على الأشعرية.
وإنَّما وَصَفْتُهُ بكونهِ (لفظيًّا) لأن القائلينَ به لم يُثْبتوا في الحقيقةِ لله تعالى صفةَ الكَلام، وإنَّما افترَوا صِفةً لا حَقيقةَ لها، فنَسَبوها للربِّ تعالى، سَمَّوْها صفةَ الكَلامِ، وأبطَلوا ما هو معلومٌ ضَرورةً في تفسيرِ الكلام.