شَرَحْتُ لك اعتقادَ المعتزلة الجهميةِ في كلام الله، وما شبَّهوا به على الناس، ضَربوا نصوصَ القرآن بعضَها ببَعْضٍ، وحرَّفوا معانيَ التنزيل، ووَصفوا رَبَّهم تعالى بالعيوبِ والنَّقائِصِ، وحَكَموا على دينهِ بالأهواءِ والظُّنونِ، وحَمَلوا الناسَ علىَ ذلك رغبةً ورهبةً، وصَدُّوهم عن الهدى إلاَّ مَن ثبَّتهُ الله تعالى، وتركُوا فِتْنَتهم وقَدْ فُتِحَت بها على الأمَّةِ أبوابٌ من الشرِّ والبدعةِ لم تُغْلق إلى يومِنا هذا.
وكان من مقصودِ دَعْوة القَوْم إبطالُ دين المسلمينَ، إذ معنى إبطالِ كونِ الرَّبّ تعالى متكلِّماً إبطالُ جَميعِ الشَّرائع، وما أنزلَ الله تعالى على رسُلهِ, لأنَّ الرُّسُلَ إنَّما بُعِثوا لتبليغِ وحْي الله وتشريعهِ الذي هو كلامُه وتنزيلُه.
بل إنَّ في ذلك إبطالَ التَّوحيدِ، لأنَّ مَن لا يتكلَّمُ ولا يَقُومُ به علمٌ ولا حَياة فهو كالأمواتِ، ومَن لا تقومُ به الصِّفاتُ فهو عَدَمٌ مَحْضٌ.
فلمَّا فَهِمَ أئمَّةُ هذه الأمَّةِ وعلماؤُها مقصودَ القَوْم، جاهَدُوهم بالبيناتِ، حتى أحقَّ الله بهم الحقَّ وأوضحَ السَّبيلَ، فأبطَلَ شُبُهاتِهم وأظهرَ