وذلكَ أنَّهم يُفرِّقونَ بين القراءةِ والمقروءِ، والتلاوةِ والمتلوّ، ويُطلقونَ ذلك، ويقولونَ: التلاوةُ والقراءةُ مخلوقةٌ، وليسَ مُرادُهم فِعْلَ العبْدِ وحَرَكَتَه وصَوْتَه، وإنَّما يُدْخِلونَ في ذلك الكلامَ العربيَّ المؤلَّفَ من الحُروفِ والكلماتِ، والسُّورِ والآيات، فهو عندَهم مخلوقٌ، وجبريلُ أتى بشيْءٍ مخلوقٍ، والمقروءُ والمَتلو عندَهم هو المعنى المُعبّر عنه بهذه الحُروفِ العربيةِ، وهذه الحروفُ مخلوقةٌ، واختلفوا أينَ خُلِقَتْ -كما سيأتي في الرد على الأشعرية في الباب الثالث-.
فعندهم هذا القرآنُ الذي يتلوهُ الناسُ بألسنَتِهم وأصواتِهم مخلوقٌ، ليسَ مُنزلاً من الله، وليسَ هو الذي تكلَّم به.
وهذه العقيدةُ مُنافيةٌ لِما قرّرناه في الباب الأول من اعتقاد السَّلَف، وهي متضمِّنةُ التكذيبَ بما أنزلَ الله على رسولِه، كتضمُّنِ ذلك عقيدة الجَهْمية المُصرّحينَ بخَلّقِ القرآن.