للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِشَيْءٍ بَعْدَ شَيْءٍ" (٥٥).

وقال أبو عبد الله بنُ حامد: "ولا خلافَ عن أبي عبد الله -يعني أحمد- أنَّ الله كانَ متكلِّماً قبلَ أن يخلُقَ الخَلْقَ، وقبل كلّ الكائناتِ، وأنَّ الله كان فيما لم يزَل متكلِّماً، كيف شاءَ, وكما شاءَ، وإذا شاءَ أنزلَ كلامَه، وإذا شاءَ لم يُنْزِله" (٥٦).

قلتُ: فأفادَ هذا النقلُ عن الإِمام أحمدَ أمرين:

الأوَّل: أنَّ صفةَ الكلام لله تعالى ثابتةٌ له في الأزَل ليسَتْ مُحْدَثَةً ولا مَخلوقةً.

والثاني: أنَّ كلامَه تعالى متعلقٌ بمشيئتهِ، فهو يتكلَّم إذا شاءَ, ويسْكُتُ إذا شاءَ.

وأمَّا قولُ ابنِ حامد في نقله الذي حَكَينا: "وإذا شاءَ أنزلَ كلامَه ... " إلخ ففيه نَظَرٌ، ذلك لأنَّهُ مُفهِمٌ أنَّه تعالى لا يتكلَّمُ بعدَ خلق الخَلْق، وإنَّما يُنزِل كلامَه الَّذي تكلَّمَ به، وهذا المعنى ليسَ هو قولَ الإِمام أحمد -كما ينقله شيخ الإِسلام وغيره- وإنَّما قولُه: إنَّ الله تعالى يتكلَّم بكلامٍ بعدَ كلام، وفي الأدلَّة التي سُقْنا دَلالةٌ بَيّنةٌ على ذلك، وهذا الذي قاله أبو عبد الله بنُ حامد إنَّما هو على طريقة بعض فُضَلاءِ الحنابلة الذين كانوا يَذْهَبون إلى قِدَمِ الكَلام المُعَيَّنِ قبلَ خلقِ الخَلْقِ، والتَّحقيقُ أنَّ هذا ليسَ


(٥٥) "مجموع الفتاوى" ١٢/ ٥٨٨ وانظر: "شرح حديث النزول" ص: ١٥٥.
(٥٦) "درء التعارض" ٢/ ٧٦ عن كتاب ابن حامد في أُصول الدين.

<<  <   >  >>