فالوجه الأوَّل: دلَّ السّياقُ على أنَّ المرادَ تنزيهُ كونِ هذا القول الذي هو القرآنُ قولَ شاعرٍ أو كاهنٍ.
والذي وصفَه الكفَّارُ بالشّعر والكَهَانَةِ هو رَسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، كمَا قال تعالى:{بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ}[الأنبياء: ٥] وكما قالَ تعالى: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}[الصافات: ٣٦] فأبطَلَ الله تعالى وصفَهم إيَّاه بذلكَ بإثباتِ أنَّه قولُ رسولٍ كريم، اجتمعَتْ فيه مَعاني الكرَم، والتي منها طَهارتهُ ونزاهَتهُ وصِدْقهُ وأمانَتهُ، التي تمنَعهُ من التَّقوُّل والافتراءِ، والشِّعرِ والكَهانة، إذ أنَّها جَميعًا مَعاني باطلةٌ لا تَليقُ بمَقامهِ، لأنَّه الكريمُ في خُلُقِهِ وطَبْعهِ وأصْلِهِ.
والوجه الثاني: قوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} أضْمَرَ الفاعلَ للعلمِ به، وهو المذكورآنفًا بوصْفِهِ الرَّسول الكَريم، وهذا ظاهرٌ، فلو لم يكن محمَّداً -صلى الله عليه وسلم- فمَنْ يكونُ إذًا؟
أجاب عن هذا بعضُ المُبتدعةِ فقالَ: هو جبريلُ عليه السَّلام، بقرينة آية التكوير.
قلنا: يردُّهُ ظاهرُ الخِطابِ، قالَ تعالى:{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وهذا خِطابٌ لقُريشٍ، فلو كانَ جبريلُ عليه السَّلام هو المفترَض تقوُّلُهُ، فلا مَعنى إذًا لتَحدِّي قُرْيشٍ بقولِهِ:{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} لأنَّ حِمَايَتَهُمْ وَحِفْظَهُمْ لجبريلَ غيرُ مقدورٍ لهم، فلا فائدةَ