للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَّتي أقْوامٌ تَجارى بهمْ تِلكَ الأهواءُ كما يَتجارى الكَلَبُ لصاحبهِ (أو: بصاحبهِ) لا يَبْقى منه عِرْقٌ ولا مَفْصِلٌ إلاَّ دَخَلَه" (٨).

وإنَّمَا عَظُمَ شَرُّ هذه الطوائفِ بِسَبَبِ ما خرَجوا به عن الشَّريعةِ، من الخَوْضِ في آياتِ الله بغيْرِ الحقّ، والقَوْلِ على الله بِغيْرِ علْمٍ، وتحريفِ الكَلِم عن مَواضِعِه، ففارَقوا بذلكَ الكتابَ والسُّنَّة، وارْتَضَوا لأنفُسِهم مناهِجَ مِن وضْع عُقولِهم وإمْلاءِ أهْوائِهم، وعصَمَ الله طائفةَ أهلِ الحقِّ باتِّباع الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم- وما جاءَ به وما كانَ عليه الجَماعَةُ أصحابُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّهُمْ رَأوا ضَلاَلَ سائِر الطَّوائفِ وخُروجَها عن مَنْهَجِ الصَّحابَةِ الكِرام الذين كانوا أعْلَمَ الأمَّةِ بما جاءَ به الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم-، وأبعدَها عن مُحْدَثاتِ الأمورِ، فرفَعَ الله بهذِهِ الطائفة لِواءَ أهْل السُّنَّةِ والجَماعةِ، وَقَمَعَ بهم أهْلَ البِدَع، فأظْهروا دلائلَ الوَحْي الشَّريفِ، وأبانوا عنها بالفَهْمِ السَّديدِ، وصَوَّبوها سِهامًا على المُبْتَدِعَةِ في الأصولِ والفُروعِ، ولم يكن لهم أسوةٌ يأتَسون به إلَّا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا طائفةٌ ينْتَمونَ إليها إلاَّ أهْل السُّنَّة والجَماعةِ، ولا خُطَّةٌ يَنْتَهِجونها إلاَّ خُطَّة سَلَفِهم أصحاب النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، والتابعينَ لهم بإحسانٍ، فكانوا بهذا أقْوَمَ النَّاسِ سبيلًا، وأحْسَنَهم طَريقًا.

ولقدْ كانَ من أعْظَم ما حصَلَ فيه الاختلافُ ما أحْدثَتْهُ المُبْتَدعةُ من


(٨) حديث صحيح.
أخرجه أحمد ٤/ ١٠٢ وأبو داود رقم (٤٥٩٧) من حديث معاوية بن أبي سفيان مرفوعًا به، وسنده جيد.
وله شواهد عن عوف بن مالك وأبي هريرة وأنس وغيرهم، يصح بها الحديث.
وقوله "الكَلَب": داء يقع للإنسان يشبه الجنون، يكون بسبب عضّ الكَلْب الكَلِب.

<<  <   >  >>