{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا}[الأحقاف: ٢٥] فالتَّدميرُ إنَّما كانَ بأمْرِه تعالى، وأمرُهُ تعالي كلامُهُ، قال:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فأبانَ أنَّ مساكنَهم لَمْ تُدَمَّر، ومُقتضى ذلك أنَّها لم تُدمِّر الأرضَ ولا الجبالَ ولا غيرَ ذلك مِنْ سِوى أهلِها، فدلَّ ذلك على أنَّ عمومَ (كلّ) إنَّما كانَ في حقّ الكُفّار المُستحقّينَ للوَعيدِ، لا كلّ شَيْءٍ حتى من سِواهُم من الجَماد وغيره، وهذا معقولٌ ظاهرٌ.
وقال تعالى في حَقّ بلقيسَ:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل: ٢٣] ومعلومٌ أنَّها لَمْ تُؤْتَ ملكَ سليمانَ، ولا غيرَ أرضِها من الأرض.
ولقَدْ أثبتَ تعالى أنَّ له نَفْسًا، قال:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦] وقال: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}[طه: ٤١] وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: ١٨٥، الأنبياء: ٣٥] فَهلْ يُدْخِلُ الجَهْميُّ نفسَ الله تعالى في هذا العُموم؟ إنَّ الأنْفُسَ التي تموتُ إنَّما هي الأنفسُ المَخلوقة، أمَّا الخالقُ تعالى بصفتهِ فهو حيّ لا يموتُ.
فدلَّت هذه النُّصوصُ على أنَّ عمومَ (كلّ) إنَّما هو بحَسَبِ المَوضع الذي ورَدَت فيه.
فكذلكَ قوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}.
فالله تعالى شَيْءٌ، وصفتُهُ شَيءٌ، قَالَ تعالى:{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ}[الأنعام: ١٩] والمخلوقُ شيءٌ، والله هو الخالقُ، وليسَ بمخلوقٍ، وصفاتُهُ تابعةٌ لذاتهِ، فليسَتْ بمخلوقةٍ، والقرآنُ كلامُهُ، وكلامُهُ