ونحنُ لا نُناظر المعتزلةَ في دفْع هذه الأباطيل بمُحْدَثاتٍ من الأقوالِ والأصول، ولا نُسلِّمُ لهم قولَهم ودَعْواهم، وإنَّما نرفُضُ ذلك أشدَّ الرَّفْضِ، ونقولُ: هو بِدْعة ضَلالةٌ لِما جَرَّت إليه من الكُفْرِ والباطل -شأنَ سائر البدع- ولا نسلُكُ مَسلكَ أهْل البِدَع في الرَّدِّ عليهم ومناظَرتِهم شأنَ الأشعريةِ والماتُريديةِ أتباع ابن كُلّاب والأشعريّ والماتُريديّ، فإنَّ هؤلاء أرادوا نقضَ ضَلالات المُعتزلةِ بنفس طريقتِهم، فتَراهم تابَعوهم في هذا الأصل الذي ذكَرْناه عنهم، فتسلَّطت عليهم به المعتزلةُ وأظهَرت تناقُضَهم.
وصدَق فيهم شيخ الإِسلام حين قال:"فهم قَصَدوا نَصْرَ الإِسلام بما يُنافي دينَ الإِسلام"(١٧).
وأصلُ المعتزلةِ الذي ابتدَعوه أوقعَهم في قياسِ صفةِ الخالقِ على المخلوق وصفتهِ، فإنَّهم إنَّما بَنوا أصلَهم على ما عَهِدُوه في المخلوق من أحوالٍ وصفاتٍ، فحَسبوا أن ذلك يَلْحَقُ صفةَ مَن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فقاسُوا ما لَمْ يُحيطوا به عِلْماً على ما حصّلوهُ من الظنونِ والأوهام التي حَسِبوها غايةَ العلوم.
وهذا مِن أعظَم ما أدخلَه الشَّيطانُ -لعنه الله- من التلبيس على هؤلاء أنْ زيَّنَ لهم ابتداعَ أصولٍ لم تَرِدْ في كتابٍ ولا سُنَّة، فالتَزموها، والتَزموا بسَبَبها خِلافَ الشَّريعةِ، فجَعلوها الحاكمَ على الكتابِ والسُّنَّة، ومِنْ تلكَ الأَصولِ الفاسدةِ هذه الدَّعاوى المجرّدةُ عن البُرهاَن مِمَّا هو مَحْضُ العُقولِ الزَّائفةِ، القَفْرِ من نُور الوَحْي.