على الأصْل الذي ذكرناهُ عنهم في تعريف الكلام بَنوا اعتقادَهم في كلام الله تعالى.
فقالوا: كلامُ الله القديمُ هو الكَلام النَّفسيُّ، وهو معنى واحدٌ، قائمٌ بذاتهِ، غيرُ مخلوق، صفةٌ من صفاتهِ، غيرُ بائنٍ عنه، لم يزَلْ موصوفاً به، ليسَ بحَرْفٍ ولا صَوْتٍ، وليسَ هو بلُغَةٍ، ولا يتجَزَّأ، ولا ينقسِمُ، ولا يتفاضَل، ولا يتعدَّدُ، ولا يَدْخلُه النَّسْخُ، ولا يتعلَّق بمشيئةِ الله واختيارهِ، وهو الأمرُ والنَّهيُ والخبرُ، يُفْهِمُه الله مَن شاءَ من عبادهِ بعباراتٍ مخلوقةٍ تدلُّ عليه، فعبارةُ القرآن بالعَربيةِ، والتَّوراة بالعِبْرية، والإِنجيلِ بالسّريانيةِ، وهي عباراتٌ عن الكلام النفسيّ الحَقيقي ودلالاتٌ عليه، وهي جميعاً معنى واحدٌ، فمعنى القرآن هو معنى التوراة والِإنجيل وغير ذلك من كلام الله، وتكليمُ الله لِمَنْ كلَّمَه من عباده إنَّما هو خَلْق إدراكِ ذلك المعنى لهم.
فالقرآنُ، والتَّوراةُ، والِإنجيلُ، بألفاظِها وحُروفها مخلوقةٌ، وهي دَلالاتٌ على الكلام النَّفسيّ، خلَقَها الله في شَيْءٍ.
قالوا في القرآن العربيّ: خلَقَه الله في اللَّوْح المَحفوظ -وهذا أشهَرُ عند متأخِّريهم، وهو الذي يقولُه صاحب "تحفة المريد" وغيره-.
ومنهم مَن قال: خلَقَهُ في الهَواء، فأخَذَهُ جبريلُ عليه السَّلام.
ومنهم مَن قال: بلْ إنَّ الله أفْهَمَ جبريلَ المعنى، فعبَّرَ عنه جبريلُ بقولِهِ، فالقرآن قولُ جبريلَ عليه السَّلام -وهذا صرَّحَ به أكبرُ مُحقِّقيهم على الإِطلاق بعدَ الأشعري: أبو بكر الباقلّاني-.