معتقَدُ أهل السُّنَّة الأبرياءِ من اعتقادِ أصْحابِ البِدَع، وقد شَرَحْناه عنهم فيما سبَقَ في الباب الأوَّل، وبيَّنا أنَّ كلامَه تعالىَ يتجزَّأ ويتبعَّضُ، وهذا القرآنُ أبْيَنُ حُجَّةٍ عليه، ونبيّن هُنا أنَّ أسماءَ الله تعالى هي ألفاظٌ دالَّةٌ على المَعاني، عَرَّفَ الله بها نفسَه، كما عَرَّفَ نفْسَه بسائرِ صفاتهِ، فإنَّ أسماءَه صفاتٌ له تعالى، واسمُ (الله) هو المؤلَّف من ألف وهاء تتلو لاماً ولاماً، لأنَّ اسْمَ الله عندَنا ما دَلَّ على ذاتهِ تعالى، ألا ترى أنَّ الله أمرَ عبادَه بتسبيحهِ كما أمرهم بتسبيح اسْمهِ، فقال:{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الأحزاب: ٤٢] وقالَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}[الأعلى: ١] وقالَ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة: ٧٤, ٩٦ الحاقة: ٥٢]؟ والعِبادُ يُجيبونَ: سُبْحان الله، سُبحانَ رَبّي الأعلى، سبحانَ ربي العظيم، فبيَّن تعالى أنَّ تسبيحَ اسمهِ تسبيحٌ له, لأنَّ الاسمَ إنَّما يُراد به المُسَمَّى، ومثل ذلك في دعائه تعالى بأسمائِهِ وذِكْره بها.
وكذا بيَّنَ أنَّ اسمَه تعالى مُبارَكٌ، فقال:{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[الرحمن: ٧٨] وقال: {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: ٥٤] فأسماؤهُ تعالى مباركَة لبَرَكةِ المُسمَّى بها، وهو الرَّبُّ تعالى.
والمقصودُ هنا بيانُ أنَّ الأشعريَّة جانَبوا الصَّوابَ باعتقادِهم أنَّ الأسماءَ الحُسنى المتعدِّدَة لله تعالى إنَّما هي التَّسْميات، وهي ألفاظٌ مُحْدَثةٌ مَخلوقةٌ، واسْمُ الله القَديم هو ذاتُه تعالى.
وبيان أنَّ هذا ليسَ بينَه وبين قَوْلِ الجَهْمية فرْقٌ في المعنى والحَقيقة، إذْ الجميعُ قالوا بخَلْق الأسْماءِ، التي هي الألفاظُ التي يُرادُ بها