للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَعرِفوه؛ فلذا تجدُهم يذكرونَ في كتبهم في العقائدِ والفرقِ اعتقادَ جَميع الطوائف، وحين يذكرون اعتقادَ السَّلَفِ لا يذكرونه على ما هو عليه؛ فإنَّك ترى العارفَ فيهم يَصِفُ مذهبَ السلف في الصفات بأنَّهمٍ كانوا مفوّضة، لا يَدْرون ما معاني الصفات، وهذا جَهلٌ على السَّلَف؛ فإنَّهم كانوا أعظمَ الناس فَهْماً وتدبُّراً لايات الكتاب وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، خاصّةً ما يتعلقُ بمعرفة الله تعالى، فكانوا يَدْرون معاني ما يقرؤون ويَحْمِلونَ من العلم، ولكنَّهم لم يكونوا يتكلَّفون الفهمَ للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضونَ في كيفيَّات الصفاتِ، شأنَ أهل الكلام والبِدَع؛ فإنَّ هؤلاء حين خاضوا في ذات الله وصفاته، وَوَقعوا في التأويل والتَّعطيل، إنَّما ألجأهم إلى ذلك الضِّيقُ الذي دخَلَ عليهم بسبَب التثبيهِ، فأرادوا الفِرارَ منه، فوقَعوا في التَّعطيل، ولم يَقَعْ تعطيلٌ إلاَّ بِتَشبيهٍ، ولو أنَّهم نزّهوا الله تعالى ابتداءً -كفعل السَّلَفِ- عن مشابهة الخلق، وأثبتوا الصفةَ مع نفي المُماثلة؛ لسَلِموا ونَجَوْا، ولوافَقوا اعتقادَ السَّلَفِ، ولَبانَ لهم أنَّ السَّلَفَ لم يكونوا حَمَلَةَ أسفارٍ لا يَدْرون ما فيها.

قال شيخ الإِسلام ابنُ تيمية وهو يصف طريقةَ السَّلَفِ في باب الاعتقاد: "ومَنْ تدبَّرَ كلامَ أئمة السُّنَّة المشاهير في هذا الباب؛ عَلِمَ أنَّهم كانوا أدَقَّ الناس نَظَراً، وأعلمَ الناس في هذا الباب، بصحيحِ المنقولِ وصَريح المعقولِ، وأنَّ أقوالَهم هي المُوافقةُ للمنصوص والمعقول، ولهذا تأتلفُ ولا تختلفُ، وتتوافقُ ولا تتناقضُ، والذين خالَفوهم لم يفهموا حقيقةَ أقوالِ السَّلَفِ والأئمةِ، فلم يعرفوا حقيقةَ المنصوص والمعقول، فتشعَّبَتْ بهم الطرقُ، وصاروا مختلفينَ في الكتاب، مخالفينَ للكتاب، وقد قالَ

<<  <   >  >>