وفي الأشعريَّة -مثلًا- علماءُ لهم قَدَمٌ في خِدْمَة الشَّريعةِ، أمثال: الحافِظَيْن أبي بكر البَيْهقي، وأبي القاسم بن عساكر، والإِمام العزّ بن عبد السَّلام، وغيرِهم من فُضَلاءِ الأشعرية، نذكُرُهم بما لَهم من المَحاسن، غير أنَّنا ننبّه على ما وَقعوا فيه من البِدْعَة، فإنَّ الحَقّ لا مُحاباةَ فيه، ولا تَمْنَعُنا بدعَتُهم من الانتفاعِ بعُلومهم في السُّنَنِ والفقهِ والتَّفْسيرِ والتَّاريخِ وغير ذلك، معَ الحَذَر.
ولَنا أسْوةٌ بالسَّلَف والأئمَّة فإنَّهم رَوَوُا السُّنَنَ عن الكَثير من المبتَدعةِ لعِلْمهم بصِدْقِهم، مع نَعْتِهم لهم بالبدْعةِ.
ونَجْتَنبُ التكفيرَ والتَّضليلَ والتَّفسيقَ للمُعَيَّن من هذا الصِّنْفِ من العُلماءِ، فإنَّ هذا ليسَ من مَنْهجِ السَّلَف، وإنَّما نكتفي ببيَانِ بِدْعَته وردِّها إذا تعرّضنا لها، أو خَشينا أن يتضرَّر بها الناس، مع اجتناب ذكْرهِ بالسُّوءِ في ذاتهِ بما يزيدُ على ذكر ما في بدعتهِ من مخالفة الدين لما قد يتعدَّى بنا إلى الغيبة المحرَّمة.
وهذا كلُّهُ في حقّ العالِم إذا لَمْ تغْلِب عليه البِدَع والأهْواءُ، وعَلِمْنا منه حرصَهُ على متابعةِ الرَّسول -صلى الله عليه وسلم-، وتحرّي الحقّ من الكتاب والسُّنَّة إلَّا أنَّه لم يُصِبْه لشُبْهة ما أو غير ذلك -شأن الكثير من متقدمي الأشَعريَّة خِلافًا لأكثرِ متأخّريهم، فإنَّ لكثيرٍ من مُتقدميهم اجتهادًا في طلَبِ الحقّ-.
أمَّا إذا غلبَت عليه الأهواءُ ومُخالَفةُ صَريحِ الشَّريعةِ، ولم يكن متحرّيًا للحقّ من كتابِ الله وسُنَّة نبيّهِ -صلى الله عليه وسلم- فليسَ له توقيرٌ ولا حُرْمَةٌ ولا كرامةٌ.