ويظهَرُ مما تقرر من قِيام الصفةِ بالموصوفِ أنَّ المتكلّمَ من قام به الكلامُ، ولا يصحّ وصفُه بذلك إلاَّ مع قدرتهِ عليه، إذ أنَّ قدرةَ المتكلم على الكلام لازمةٌ له ما دام موصوفاً بالكلام, لأنَّه لو لم يكن قادراً على الكلام لَوُصِفَ بضدّه، وهو: الخَرَسُ، فإن "الأخرس" هو الذي لا يَقْدِرُ على الكلامِ، ولذا صَحَّ عدمُ وصفهِ بالكلام.
ويبطلُ بما قرَّرْناه مذهبان من مذاهب أهل البدع:
الأوّل: مذهبُ المعتزلة القائلين: المتكلّم من فَعَلَ الكلامَ ولو في غيره، ومعناه عدَمُ قيامِ صفةِ الكلام بالمتكلّم.
والثاني: مذهبُ الكُلاّبية والأشعرية القائلين: المتكلم من قام به الكلامُ ولو لم يَفْعَلْهُ، وليس له قدرةٌ عليه.
وفسادُ هذين المذهبين ظاهرٌ لغةً وشرعاً وعقلاً، إذ أنَّ لازمَ المذهبِ الأوَّل أن يكون كلامُ المخلوق هو كلامَ الخالق -كما سيأتي تفصيله في الباب الثالث- ولازمَ المذهب الثاني وصفُ الأخرس بكونه متكلماً، وهذا ظاهر المناقضةِ للحسِّ والعقلِ - وسيأتي بسط ذلك عنهم في الباب الثالث.
والسَّلَفُ والأئمَّةُ لا يَعْرِفونَ المتكلمَ إلاَّ على الصورة التي شرحناها.