للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

له، ويؤيده قول جابر: كانت تبكى على ما كان يسمع من الذكر عندها، ومن ثمة عامله صلى الله عليه وسلم معاملة المشتاق، فالتزمه كما يلتزم المغيب أهله وأعزته، ليبرد غليل شوقهم إليه، وفى رواية صحيحة: «أنه خار حتى ارتج المسجد لخوائره، وأنه صلى الله عليه وسلم قال: «والذى نفس محمد بيده، لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزنا على رسول الله» (١)، فأمر به صلى الله عليه وسلم فدفن، وفى رواية للبيهقى: «أنه خيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة» (٢)، وفى أخرى للدارمى، قال له: «إن شئت أردك إلى حائطك تنبت كما كنت عليه، وإن شئت أغرسك فى الجنة، فتأكل أولياء الله من ثمرك»، ثم أصغى له قال: تغرسنى فى الجنة فتأكل منى أولياء الله، وأكون فى مكان لا أبلى فيه فسمعه من يليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد فعلت»، ثم قال: «قد اختار دار البقاء على دار الفناء» واعلم أن القصة واحدة، فما وقع فى ألفاظها مما ظاهره التغاير إنما هو من الرواة، عند التحقيق والتأويل يرجع لمعنى واحد، ومنه: سجود الجمل له كما رواه أحمد والنسائى والبغوى والطبرانى وله سند جيد عند البيهقى وحاصل قصته: «أن الأنصار شكوا جملا لهم استصعب ومنعهم ظهره وصار كالكلب، فجاء له النبى صلى الله عليه وسلم، فلما نظر إليه أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه فأخذ بناصيته أذل ما كان قط، حتى أدخله فى العمل فقالوا له: نحن أحق أن نسجد لك، فقال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، وإلا لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها» (٣)، وصح أنه صلى الله عليه وسلم دخل حائط أنصارى، فإذا جمل فلما رآه حن وذرفت عيناه، فمسح المحل الذى يعرف من قفاه عند أذنيه، ثم قال لصاحبه:

«ألا تتقى الله فى هذه البهيمة التى ملكك الله إياها، فإنه شكى إلى أنك تجيعه وتدميه» (٤)


(١) ذكره ابن كثير فى البداية والنهاية (٦/ ١٤٥).
(٢) رواه البخارى فى مناقب الأنصار (٣٩٠٤)، بلفظ: ما عنده، وفى فضائل الصحابة (٣٦٥٤) بلفظ: ما عند الله، وفى الصلاة (٤٦٦) بلفظ: ما عند الله، ومسلم أيضا فى فضائل الصحابة (٢٣٨٢)، بلفظ البخارى والترمذى فى المناقب (٣٦٥٩،٣٦٦٠)، والدارمى فى المقدمة (١/ ٣٦) بلفظه وأحمد فى مسنده (٣/ ١٨،٤٧٨)، (٤/ ٢١١) (٥/ ١٣٩).
(٣) رواه أحمد فى مسنده (٣/ ١٥٩)، وذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد (٩/ ٤)، وقال رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخى أنس وهو ثقة. وذكره الهندى فى كنز العمال (٤٤٧٧٧)، وعزاه لأحمد والترمذى عن أنس.
(٤) رواه أبو داود فى الجهاد (٢٥٤٩)، وأحمد فى مسنده (١/ ٢٠٤،٢٠٥)، (٤/ ١٨١).

<<  <   >  >>