للرؤيا أصلا، ومعنى قوله:«فسيرانى»: فسيرى تفسير ما رآه لأنه حق وغيب، وقوله:
«فكأنما رآنى» أنه لو رآنى يقظة لطابق ما رآه نوما فيكون الأول حقيقة، والثانى حقا وتمثيلا، هذا كله إن رآه بصفته المعروفة، وإلا فهى مثال، كأن رآه مقبلا عليه مثلا، فهو خير للرائى وعكسه بعكسه. ومنهم القاضى عياض حيث قال: قوله «فقد رآنى أو فقد رأى الحق» يحتمل أن المراد به أن من رآه بصورته المعروفة فى حياته، إن كانت رؤياه حقا ومن رآه بغير صورته كانت رؤيا تأويل. وتبعهم النووى فقال متعقبا كلام القاضى:
هذا ضعيف، بل الصحيح، أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها.
وأجاب عنه بعض الحفاظ، بأن كلام القاضى لا ينافى ذلك، بل ظاهر كلامه، أنه يراه حقيقة فى الحالين، لكن فى الأولى لا تحتاج تلك الرؤيا إلى تعبير، وفى الثانى تحتاج إليه. ومنهم الباقلانى وغيره فإنهم ألزموا الأولين، أن من رآه بغير صفته تكون رؤيته أضغاثا، وهو باطل، إذ من المعلوم، أنه يرى نوما على حالته اللائقة به مخالفة لحالته فى الدنيا، ولو تمكن الشيطان من التمثل بشىء فيما كان عليه أو ينسب إليه، لعارض عموم قوله:«فإن الشيطان لا يتمثل بى» فالأولى تنزيه رؤياه، ورؤيا شىء مما ينسب إليه عن ذلك، فإنه أبلغ فى الحرمة، وأليق بالعصمة، كما عصم من الشيطان فى يقظته.
فالصحيح: أن رؤيته فى كل حال ليست باطلة ولا أضغاثا، بل هى حق فى نفسها، وإن رأى بغير صفته، إذ تصور تلك الصورة من قبل الله تعالى انتهى. فعلم أن الصحيح، بل الصواب كما قال بعضهم: أن رؤياه حق على أى حالة فرضت، ثم إن كان بصورته الحقيقية فى وقت كان سواء كان فى شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو أواخر عمره لم يحتج لتأويل، وإلا احتيجت لتعبير يتعلق بالرائى، ومن ثم قال بعض علماء التعبير: من رآه شيخا فهو عام سلم، ومن رآه شابا فهو عام حرب، ومن رآه متبسما فهو متمسك بسنته. وقال بعضهم: من رآه على حاله وهيئته، كان دليلا على صلاح الرائى وكمال جاهه وظفره بمن عاداه، ومن رآه متغير الحال عابسا مثلا كان دليلا على سوء حال الرائى. وقال ابن أبى جمرة: رؤياه فى صورة حسنة حسن فى دين الرائى ومع شين أو نقص فى بعض بدنه خلل فى دين الرائى، لأنه كالمرآة الصقيلة ينطبع فيها ما قابلها، وإن كانت ذاتها على أحسن حال وأكمله، وهذه هى الفائدة الكبرى فى رؤيته، إذ بها يعرف حال الرائى. وقال غيره: أحوال الرائين بالنسبة إليه مختلفة، إذ هى رؤيا بصيرة