خبران في هذا المعنى يوضحان لنا أنه كان عليه أن يجيب متحديه فلم يجد الجواب فخجل وانحشر وضاقت به الدنيا، ولكنه عصر فكره إلى أن استطاع إنقاذ نفسه ولو بعد حين، ولو بعد مراجعة الكتب والشواهد والأساتذة. الخبر الأول أنه كان ذات يوم عائدا من الكتاب (المدرسة) فمر على جماعة من العلماء فيهم الشيخ إبراهيم الفلاري التونسي الذي كان (يدعي معرفة النحو يستطيل به على أهل قسنطينة)، ويدعي أن له فيه اليد الطولى، فسأله الفلاري عن الجامع بين قوله تعالى:{فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا}، وقول الشاعر:
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم ... من العبيد وثلث من مواليها
ويقول الفكون أنه لم يعرف الجواب عن هذه المسألة لقلة زاده وصغر سنه، فسكت وتضاءل أمام الفلاري وجماعته، واشتد به الخجل، حتى صار الفلاري يؤنبه على (جهله) بالنحو والقواعد. فذهب الفكون إلى داره منكسف البال حزينا، ولكنه لم يستسلم، فأخذ ينظر في مكتبة والده لعله يجد الجواب الشافي الذي يسكت به هذا المتطاول.
أخذ الفكون إذن ينظر ما قال ابن هشام في شواهده وقواعده، فإذا هو أمام هذا البيت:
إن هند المليحة الحسناء ... وأي من أضمرت لخل وفاء
وكان ابن هشام قد فسر هذا البيت واستخرج معناه وأعربه.