وشعر الفكون بأنه قد وجد ضالته وأن لديه سلاحا يفل به لسان الفلاري. فحفظ البيت واستظهر ما قيل فيه، وأسرع إلى المجلس المذكور، ولكن ليس في نفس اليوم. وعند حضوره سأله الفلاري الإجابة ووبخه بعدم معرفته أي شيء وتطاول عليه من جديد. ولكن الفكون طلب منه أن يجيبه هو أولا عن معنى البيت (إن هند إلخ). وإعرابه. فبهت الفلاري (واحمر واصفر وألجم) ولم يحر جوابا، واكتشف أمره بين أصحاب المجلس، وأخذ يتضاءل في نفسه.
هذه حادثة كثيرا ما تقع للتلاميذ الصغار، وكثيرا ما يبنون عليها أمورا كثيرة تتعلق بمستقبلهم، بل تكون طريقا لاكتشاف أنفسهم وما خلقهم الله له. وفد تكون نية الفلاري، وهو شيخ من شيوخ الزيتونة ومفتي معروف في قومه وممن يدل بنفسه في علم النحو ولا يعارضه أحد في تونس - كما يقول الفكون - قد تكون نيته حسنة عندما طرح السؤال على التلميذ الفكون، وقد يكون قصد تحديه وإحراجه حتى يدفعه إلى البحث والعلم دفعا، وذلك طريق من طرق التربية، ولكن الفكون فهم غير ذلك، فهم أن الشيخ كان يتحداه ويقلل من شخصه وعلمه في أعين مواطنيه، وأنه لو لم يرد التحدي لبقي القوم ينظرون إليه بازدراء بل لوصل الأمر إلى عائلته وسمعتها بين الناس. والمهم الآن هو أن الفكون اندفع يراجع ابن هشام ويحفظ الشواهد النحوية ويتقن الإعراب ويحفظ أقوال النحاة، وهذا بالضبط هو علم النحو الذي أصبح فيه علما من الأعلام، بل علم الأعلام في عصره.
أما الخبر الثاني أو الحادثة الثانية فأقل شأنا فيما يبدو، ولكنها