مع ذلك ذات عواقب على الفكون في اختياره علم النحو دون غيره. يقول إنه كان ذات يوم يدرس مع الطلبة في مدرسة العائلة، وكان من بين الطلبة أحمد بن خليفة الزواوي. فسأل هذا الفكون عن إعراب هذه الجملة (عرفت زيدا، أبو من هو؟) فتوقف الفكون وتلعثم، وكان صغير السن بين أولئك الطلاب الشيوخ وإنما حضر معهم لأنهم كانوا في مدرستهم، وكان الشيخ صاحب الدرس هو محمد بن راشد الزواوي وكذلك الشيخ محمد التواتي ولذلك أخبر (خجلت من ذلك وأعربت بعضه) ولم ينجده إلا شيخه ابن راشد إذ لقنه بقية الجواب. ولا نعتقد أن الفكون يروي هذا الخبر لكي يقنعنا بتعلقه بالنحو وامتيازه فيه، وإنما يذكر ذلك في نظرنا لكي يطلعنا على البواعث التي كانت وراء اختياره، وهي بواعث كما ترى في شكل إيحاءات ودلالات أكثر منها بواعث صريحة مباشرة، كتوجيه الآباء وكبار الأخوة وبعض المعلمين الجاهلين بقواعد علم النفس.
ومهما كان الأمر فإن الذي أثر حقيقة على الفكون وجعله يميل إلى علم النحو ويحبه ويبرع فيه هما شيخاه محمد بن راشد ومحمد التواتي فعندما جاء الأول منهما للدراسة في قسنطينة كان الفكون ما يزال في حداثة سنه (ربما لم يتجاوز الثانية عشر)، إذ يقول أنه لم يكن قد جمع القرآن بعد أو جمعه لتوه. وقد اختاره الزواوي لتسميع الحاضرين في درسه وقراءة نص الدرس من كتاب المرادي في النحو، وكان ذلك لفصاحة لسانه ووضوح صوته وسرعة تعرفه على الخط ومكان الوقف. وهذا هو تعبيره (وكنت لفصاحة لساني أمسك له الكتاب وأقرأه عليه