ولعل الإلحاح على صعود عائلة الفكون إلى القمة لا يعود فقط إلى القيمة الروحية ولكن إلى الثروة المادية التي أصبحت تتمتع بها. ولكننا رأينا أن الناحيتين قديمتان فيها. فقد كانت تتمع بقيمة روحية (الدين والصلاح والعلم) قبل توليها وظائف الجامع الكبير ومشيخة الإسلام وإمارة ركب الحج. وكانت كذلك غنية تملك العقارات في قسنطينة والأراضي في الأرياف قبل ذلك أيضا. فما الجديد حينئذ؟ لعل الجديد هو العلاقة بين من يتولى هذه الوظائف وبين السلطة الزمنية في البلاد عندئذ. ومنذ القرن العاشر أصبحت هذه السلطة في يد العثمانيين، وكان هؤلاء يبحثون، ككل سلطة جديدة، عن الأنصار من أصحاب النفوذ الروحي والمادي. فوقع تحول في مراكز هذا النفوذ من عائلة إلى عائلة كما لاحظنا وأصبحت عائلة الفكون، سيما في عهد عبد الكريم الحفيد الذي نترجم له، في قمة مجدها روحيا وماديا. ولكن هذا لم يتم فجأة ولا وقع بطرق ملتوية، كما يحلو لمؤرخي الفرنسيين ذلك، وإنما وقع بالتدرج وبدون التخلي عن القيم العائلية والإسلامية التي عرفتها مدينة قسنطينة في عهدها الطويل. ولأمر ما لا نجد كلمة نقد واحدة موجهة من الفكون إلى عائلة عبد المؤمن أو أحد أفرادها، رغم تعرضه بالنقد لأعيان وعلماء ودراويش عصره كما سنرى. بالعكس فقد وجدناه يحتفظ لمن ذكره منهم بألفاظ التجلة والاحترام.
حقيقة أن ثروة عائلة الفكون قد زادت، وأن جاهها قد ازداد علوا في نظر الناس، نتيجة الوظائف الجديدة. ذلك أنها بالإضافة إلى أوقاف الجامع الكبير كانت تحكم بما تراه صالحا في الأمور