والأصل أن أهلية الأداء بالعقل، ولكنها ربطت بالبلوغ؛ لأن البلوغ مظنة العقل، والأحكام تربط بعلل ظاهرة منضبطة، فالبالغ سواء كان بلوغه بالسن أو بالعلامات يعتبر عاقلا وأهلا للأداء كامل الأهلية ما لم يوجد ما يدل على اختلال عقله أو نقصه.
عوارض الأهلية:
قدمنا أن أهلية الوجوب تثبت للإنسان بوصف أنه إنسان، وأنه وهو جنين في بطن أمنه تثبت له أهلية وجوب ناقصة، وبعد ولادته تثبت له أهلية وجوب كاملة في طفولته، وفي سن تمييزه وبعد بلوغه وفي نومه ويقظته وفي جنونه وإفاقته وفي رشده وسفهه. وما دام حيا لا يعرض لهذه الأهلية ما يزيلها أو ينقصها.
وأما أهلية الأداء فقد قدمنا أنها لا تثبت وهو جنين قبل أن يولد، ولا وهو طفل لم يبلغ السابعة، وأنه من سن التمييز أي بعد السابعة إلى سن البلوغ أي خمس عشرة سنة تثبت له أهلية أداء ناقصة. ولهذا يصح بعض تصرفاته ولا يصح بعضها، ويتوقف بعضها على إذن الولي أو إجازته. وأنه من سن بلوغه الحلم تثبت له أهلية أداء كاملة غير أن هذه الأهلية قد تعرض لها عوارض، منها ما هو عارض سماوي لا كسب للإنسان فيه ولا اختيار، كالجنون والعته والنسيان، ومنها ما هو عارض كسبي يقع بكسب الإنسان، واختياره كالسكر والسفه والدين.
وهذه العوارض التي تعرض لأهلية الأداء منها ما يعرض للإنسان، فيزيل أهليته للأداء أصلا كالجنون، والنوم والإغماء فالمجنون والنائم، والمغمى عليه ليس لواحد منهم أهلية أدء أصلا، ولا تترتب على تصرفاته آثارها الشرعية، وما وجب على المجنون بمقتضى أهليته للوجوب من واجبات مالية يؤديها عنه وليه، وما وجب على النائم والمغمى عليه بمقتضى أهليتهما للوجوب من واجبات بدنية، أو مالية يؤديها كل منهما بعد يقظته أو إفاقته.
ومنها ما يعرض للإنسان فينقص أهليته للأداء ولا يزيله كالعته، ولهذا صحت بعض تصرفات المعتوه دون بعضها كالصبي المميز.
ومنها ما يعرض للإنسان فلا يؤثر في أهليته لا بإزالتها ولا بنقصها، ولكن يغير بعض أحكامه لاعتبارات ومصالح قضت بهذا التغير، لا لفقد أهلية أو نقصها