والتأويل معناه في اللغة بيان ما يؤول إليه الأمر، قال تعالى:{ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} ومنه المآل.
ومعناه في اصطلاح الأصوليين: صرف اللفظ عن ظاهره بدليل، ومن المقرر أن الأصل عدم صرف اللفظ عن ظاهره؛ وأن تأويله أي صرفه عن روح التشريع أو مبادئه العامة، وإذا لم يبن التأويل على دليل شرعي صحيح، بل بني على الأهواء والأغراض والانتصار لبعض الآراء كان تأويلا غير صحيح، وكان عبثا بالقانون ونصوصه، وكذلك إذا عارض التأويل نصًّا صريحا أو كان تأويلا إلى ما لا يحتمله اللفظ.
من أمثلة التأويل الصحيح، تخصيص عموم البيع في قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} بالأحاديث التي نهت عن بيع الغرر، وعن بيع الإنسان ما ليس عنده، وعن بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، وهذا من تأويل الظاهر؛ لأن الآية كما قدمنا، نص ظاهر في إحلال كل بيع ونص في نفي المماثلة.
وتقييد الدم المطلق في قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} بقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} ، وهكذا من كل تخصيص أو تقييد، قضى به التوفيق بين نصوص القرآن والسنة.
وكذلك تأويل الشاة في قوله -صلى الله عليه وسلم:"في كل أربعين شاة شاة" والصاع من تمر في حديث المصراة: "من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار بين أن يمسكها، وبين أن يردها وصاعا من تمر"، فإن ظاهر الحديث الأول أنه لا يجزي في زكاة الأربعين شاة إلا واحدة منها، ولا تجزي قيمتها، وظاهر الحديث الثاني أنه إذا رد المشتري الشاة المصراة لا يجزي في تعويض البائع عما احتلب من لبنها إلا صاع من تمر.
وهذا الظاهر، تقتضي حكمة التشريع والأصول العامة في التضمين تأويله وصرفه عن ظاهره، وإرادة معنى آخر يتفق معها؛ لأن الغرض من إيجاب الشاة زكاة للأربعين دفع حاجة الفقراء، وقد تكون دفع حاجة الفقير بقيمة الشاة أكثر توافرا، فيراد بالشاة شاة، أو ما يعادلها من كل مال متقوم؛ ولأن الغرض من