قاذفي المحصنات:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ، فإن العدد المعين لا يحتمل زيادة ولا نقصا، وقوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} ، فإن كلمة كافة تنفي احتمال التخصيص، وكثير من مواد العقوبات التي حددت العقوبات على جرائم معينة، ومواد القانون المدني التي حصرت أنواعا من الديون أو الحقوق أو فصلت أحكاما تفصيلا لا احتمال معه للتأويل.
ومن ذلك أن تكون الصيغة قد وردت مجملة غير مفصلة، وألحقت من الشارع ببيان تفسيري قطعي أزال إجمالها، وفصلها حتى صارت مفسرة لا تحتمل التأويل، كقوله تعالى:{أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ، وكقوله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} ، وكقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، فالصلاة والزكاة والحج والربا، كل هذه ألفاظ مجملة لها معان شرعية لم تفصل بنفس صيغة الآية. وقد فصل الرسول معانيها بأفعاله وأقواله، فصلى وقال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"، وحج وقال:"خذو عني مناسككم"، وحصل الزكاة، وفصل الربا المحرم، وهكذا كل مجمل في القرآن، فصلته السنة تفصيلا وافيا يصير من المفسر، ويكون هذا التفصيل جزءًا من المفصل، مكملا له ما دام قطعيا، وهذا ما يسمى في الاصطلاح الحديث: التفسير التشريعي، أي الذي مصدره الشارع نفسه. فإن الرسول أعطاه الله سلطة التفسير والتفصيل بقوله سبحانه:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} .
وحكم المفسر أنه يجب العمل به كما فصل، ولا يحتمل أن يصرف عن ظاهره، ويقبل حكمه النسخ إذا كان مما بيناه في الظاهر، أي حكما فرعيا يقبل التبديل.
فالتفسير الذي ينفي احتمال التأويل هو التفسير المستفاد من نفس الصيغة، أو المستفاد من بيان تفسيري قطعي ملحق بالصيغة صادر من المشرع نفسه؛ لأن هذا البيان من القانون. وأما تفسير الشراح والمجتهدين، فلا يعتبر جزءًا مكملًا للقانون ولا ينفي احتمال التأويل، وليس لأحد غير الشارع نفسه أن يقول فيما يحتمل التأويل منه هو كذا لا غير.
ويظهر من مقارنة التفسير بالتأويل، أن كلا منهما تبيين للمراد من النص، ولكن التفسير تبيين للمراد بدليل قطعي من الشارع نفسه، ولهذا لا يحتمل أن يراد غيره.