وأما التأويل فهو تبيين للمرد بدليل ظني بالاجتهاد، وليس قطعيا في تعيين المراد، ولهذا يحتمل أن يراد غيره.
٤- المحكم:
المحكم في اصطلاح الأصوليين: هو ما دلّ على معناه الذي لا يقبل إبطالًا ولا تبديلا بنفسه دلالة واضحة لا يبقى معها احتمال للتأويل، فهو لا يحتمل التأويل أي إرادة معنى خر غير ما ظهر منه؛ لأنه مفصل ومفسر تفسيرا لا مجال عه للتأويل، ولا يقبل النسخ في عهد الرسالة وفترة التزيل ولا بعدها؛ لأن الحكم المستفاد منه، إما حكم أساسي من قواعد الدين لا يقبل التبديل: كعبادة الله وحده، والإيمان برسله وكتبه؛ أو من أمهات الفضائل التي لا تختلف باختلاف الأحوال: كبر الوالدين، والعدل؛ أو حكم فرعي جزئي، ولكن دل الشارع على تأييد تشريعه كقوله تعالى في قاذفي المحصنات:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} ، وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم:"الجهاد ماض إلى يوم القيامة".
وحكمه أنه يجب قطعا العمل به، لا يحتمل صرفه عن ظاهره ولا نسخه، وإنما قلنا: لا يقبل النسخ؛ لأنه بعد عهد الرسول وانقطاع الوحي والتنزيل، صارت الأحكام الشرعية التي جاءت في القرآن والسنة كلها محكمة لا تقبل نسخًا، ولا إبطالًا، إذ لا توجد بعد الرسول سلطة تشريعية تمل إبطال ما جاء به أو تبديله. وسيأتي توضيح هذا في مبحث النسخ.
وهذه الأنواع الأربعة للواضح الدلالة، متفاوتة في وضوح دلالتها على المراد منها كما قلنا، وظهر أثر هذا التفاوت عند التعارض.
فإذا تعارض ظاهر ونص١ يرجع النص؛ لأنه أوضح دلالة من الظاهر من جهة أن معنى النص مقصود أصالة من السياق، ومعنى الظاهر غير مقصود أصالة من السياق. ومن لا شك في أن المقصود أصلة يتبادر إلى الفهم قبل غيره.
فلهذا كانت دلالة النص أوضح من دلالة الظاهر، ولهذا يرجع الخاص على العام عند التعارض؛ لأن الخاص مقصود أصالة بالحكم فاللفظ نص فيه، وهو في العام غير مقصود أصالة بل في ضمن أفراده.
١ النص يطلق على معنيين أحدهما المعنى الذي بيناه هو ما يقابل الظاهر والمفسر والمحكم، وثانيهما كل آية قرآنية أو حديث نبوي، فيقال: نصوص القرآن والسنة، ويراد بها ما يشمل الظاهر أو النص أو المفسر، ويقال: الحكم ثابت بالنص لا بالقياس.