المراد من الخطة التشريعية الطريق التي يتبعها رجال التشريع في الرجوع إلى مصادر التشريع والمبادئ العامة التي يراعونها فيه، ولما كان هذا العهد هو عهد التكوين؛ ووضع الأسس التشريعية كانت الخطة التشريعية فيه هي الخطة الأساسية للتشريع الإسلامي.
فأما الطريق التي اتبعها الرسول في الرجوع إلى مصادر التشريع، فهي أنه كان إذا طرأت حاجة إلى تشريع ينتظر وحي الله بآية أو آيات فيها حكمه، فإن لم يوح إليه علم أن الله وكل التشريع في هذه الواقعة إلى اجتهاده، فاجتهد مهتديًا في اجتهاده بالقانون الإلهي، وروح التشريع وتقديره المصلحة ومشورة أصحابه.
وأما المبادئ العامة التي بنى عليها التشريع الإسلامي في عهد تكوينه فأظهرها أربعة:
الأول: التدرج في التشريع، وهذا التدرج كان في زمن التشريع وكان في أنواع الأحكام التي شرعت، فالتدرج الزمني ظاهر من أن الأحكام التي شرعها الله ورسوله لم تشرع دفعة واحدة في قانون واحد، وإنما شرعت متفرقة في مدى اثنتين وعشرين سنة، وبضعة أشهر حسب ما اقتضاها من الأقضية والحوادث وكان لكل حكم تاريخ لصدوره وسبب خاص لتشريعه، والحكمة في هذا التدرج الزمني أنه ييسر معرفة القانون بالتدرج مادة فمادة، وييسر فهم أحكامه على أكمل وجه بالوقوف على الحادثة، والظروف التي اقتضت تشريعها.
والتدرج في أنواع ما شرع من الأحكام ظاهر من أن المسلمين لم يكلفوا في أول عهدهم بالإسلام بما يشق عليهم فعله، أو ما يشق عليهم تركه بل سلك بهم سبيل التدرج، وأخذوا بالرفق حتى تكون استعدادهم واستأهلوا للتكليف.
ففي أول أمرهم لم تفرض عليهم الصلاة خمس فرائض في اليوم والليلة ركعات محددة في كل فريضة، بل طلبت منهم صلاة مطلقة بالغداة والعشي، ولم تفرض عليهم الزكاة والصيام إلا بعد الهجرة بسنة، وكان التكليف قبل ذلك بما استطاعوا من صدقة وصوم ولم يحرم عليهم الخمر والميسر، وكثير من عقود الزواج والربا والمعاملات التي كانوا يتعاملون بها في جاهليتهم إلا بالمدينة، والحكمة في