هذا التدرج في أنواع الأحكام أنه: هو العلاج لإصلاح النفوس الجامحة، والوسيلة لتقبل التكاليف وامتثالها من غير ضجر ولا عنت، وهو من الحكمة في الدعوة.
والثاني: التقليل من التقنين، وهذا يتجلى في أن الأحكام التي شرعها الله ورسوله لم تشرع إلا على قدر الحاجات التي دعت إليها والأقضية، والحوادث الي اقتضتها ولم تشرع منها أحكام لحل مسائل فرضية أو للفصل في خصومات محتملة. ويتجلى أيضا مما ورد في القرآن والسنة من النهي عن الإكثار من الأسئلة التي تقتضي تشريعا فقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} ، ونهى رسول الله عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، وقال:"أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم من أجل مسألته"، وقال:"إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها".
والحكمة في هذا التشريع إنما هو دفع حاجات الناس، وتحقيق مصالحهم فينبغي أن يقتصر في كل عصر على تشريع ما اقتضته حاجاته، ومصالحه حتى لا يجد اللاحقون من تشريع السابقين عقبات تحول دون تشريع ما يدفع حاجتهم ويحقق مصالحهم.
ومن المبادئ المقررة في الشريعة الإسلامية أن الأصل في الأشياء الإباحة فكل حيوان، أو جماد أو عقد أو تصرف لم يشرع له حكم بأي دليل شرعي، فحكمه الإباحة وعلى هذا لا حرج من تقليل التقنين؛ لأن كل ما لا قانون فيه فهو على الإباحة الأصلية.
والثالث: التيسير والتخفيف وهذا أجلى ظاهرة في التشريع الإسلامي، ففي كثير من الأحكام تصريح بأن الحكمة في تشريعها التيسير والتخفيف قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقال عز شأنه: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ، وقال:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وورد في صحيح السنة: أن الرسول ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، وأنه قال:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وفي كل الحالات الخاصة التي يكون فيها حكم العزيمة شاقًّا شرعت الرخصة، فأبيحت