جبير؟ وقد لازم هؤلاء التابعين في حياتهم جماعة من تابعي التابعين تلقوا عنهم ما تلقوه عن الصحابة؛ من القرآن والسنة، وأخذوا عنهم ما علموه من الفقه وأسرار التشريع، ولازم تابعي التابعين جماعة من طبقة الأئمة الأربعة المجتهدين ومعاصريهم من رجال التشريع.
فلما انقرض رجال التشريع من الصحابة خلفهم في تولي سلطة التشريع تلاميذهم من التابعين، وخلف هؤلاء تلاميذهم من تابعي التابعين، وخلف هؤلاء تلاميذهم من الأئمة الأربعة المجتهدين وأقرانهم.
فكان رجال التشريع في كل مصر من أمصار المسلمين طبقات؛ وكل طبقة يعد رجالها تلاميذ لسلفهم وأساتذة لخلفهم، ومن لازموا المشرعين في حياتهم، وأخذوا عنهم علمهم وفقههم تصدوا لإفتاء الناس من بعدهم، والقيام بما كان يقوم به أساتذتهم، وبهذا اتصلت حركة التشريع في الأمصار.
ففي المدينة أشهر أساتذة التشريع من الصحابة عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب؛ وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأشهر تلاميذ هؤلاء:
سعيد بن المسيب؛ وعروة بن الزبير؛ وسائر فقهاء المدينة السبعة. وأشهر تلاميذ: هؤلاء محمد بن شهاب الزهري؛ ويحيى بن سعيد. وأشهر من خلف هؤلاء: مالك بن أنس وأقرانه.
وفي مكة أشهر أساتذة التشريع من الصحابة عبد الله بن عباس. وأشهر تلاميذه: عكرمة، ومجاهد، وعطاء. وأشهر تلاميذهم: سفيان بن عيينة، ومفتي الحرم مسلم بن خالد، وأشهر من خلف هؤلاء: الشافعي في حياته الأولى.
وفي الكوفة أشهر أساتذة التشريع من الصحابة عبد الله بن عباس، وأشهر تلاميذه: علقمة بن قيس، والقاضي شريح. وأشهر تلاميذهما: إبراهيم النخعي. وأشهر تلاميذه حماد بن أبي سليمان أستاذ أبي حنيفة وأصحابه.
وفي مصر أشهر أساتذة التشريع من الصحابة عبد الله بن عمرو بن العاص وأشهر تلاميذه: مفتي مصر يزيد بن حبيب. وأشهر تلاميذه: الليث بن سعد وأقرانه من بني عبد الحكم، وأشهر من خلف هؤلاء: الشافعي في حياته الأخيرة.
ولم يكتسب رجال التشريع من كل طبقة من هذه الطبقات سلطة التشريع من تعيين الخليفة، أو انتخاب الأمة وإنما وثق المسلمون بهم كما وثقوا بأساتذتهم من