والطارئ الثاني: إدخال الإصلاح في رسم كتابته وشكل حروفه. وذلك أن المصحف الذي دون في عهد عثمان بن عفان ومنه نسخت عدة مصاحف ووزعت في الأمصار، كان مكتوبا بالخط الكوفي لا نقط ولا شكل، وكان الاعتماد في قراءته على التلقي من الحفظة، ولكن لما دخل في الإسلام كثير من الأمم غير العربية وخيف أن يقع بعض القارئين في الخطأ أو اللبس، وضع أبو الأسود الدؤلي بناء على طلب أمير العراق -زياد بن أبيه- علامات لشكل أواخر الكلمات. فجعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف. وعلامة الكسرة نقطة تحته، وعلامة الضمة نقطة إلى جانبه، وعلامة التنوين نقطتن.
ثم عدل الخليل بن أحمد هذه العلامات فجعل علامة التفحة ألفا مسطوحة فوق الحرف، وعلامة الكسرة ياء تحته، وعلامة الضمة واو فوقه، ولم يقتصر على شكل أواخر الكلمات بل زاد شكل الكلمات كلها، ووضع نصر بن عاصم بناء على طلب أمير العراق -الحجاج بن يوسف- النقط لما ينقط من الحروف بنقطة أو اثنتين. وبهذا التنافس في حفظ القرآن والتزايد في حفظته، وهذا الإصلاح والتهذيب في رسمه، وشكله، ونقطه، وتمييز كل حرف بما يعين على النطق به صحيحا تمت للمصدر التشريعي الأول وسائل التكميل والضبط والتيسير.
وأما المصدر التشريعي الثاني وهو السنة، فقد طرأ عليه أيضا في أول هذا العهد طارئ له أثر تشريعي عظيم، وذلك أن الخليفة عمر بن عبد العزيز كتب في عهد خلافته إلى والي المدينة أبي بكر محمد بن عمر بن حزم:"انظر ما كان من حديث رسول الله فاكتبه، فإني خفت دروس العلم. وذهاب العلماء"، وكلف أيضا بهذا التدوين محمد بن شهاب الزهري، فقام كل منهما بتدوين ما استطاع تدوينه من السنة، وبهذا بدأ تدوين نصوص المصدر التشريعي الثاني بعد أن لبثت في القرن الهجري الأول كله يرجع إليها في صدور رواتها وحفاظها فقط، وتتابع على هذا التدوين كثير من العلماء. ففي سنة ١٤٠هـ دون الإمام مالك بن أنس كتابه: الموطأ في صحيح الحديث بناء على طلب الخليفة المنصور، وفي القرن الثاني الهجري دون أصحاب المسانيد في السنة مسانيدهم، والمسند هو: ما تجمع فيه الأحاديث حسب رواتها، فيجمع ما رواه عمر على حدة، وما رواه أبو بكر على