للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حدة بصرف النظر عن موضوع الحديث، وأقدم ما وصل إلينا منها مسند الإمام أحمد. وفي القرن الثالث الهجري دونت كتب صحاح السنة الستة وهي: صحيح البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه. وإذا قيل في الحديث رواه الستة، أو متفق عليه فالمراد أنه رواه هؤلاء جميعهم، ودون كثيرون غير هؤلاء عدة مجاميع في السنة.

ولكن هذا التدوين الذي حفظ السنة من الضياع لم يؤد إلى جمع المسلمين على مجموعة واحدة من السنة تكون مرجعا لخاصتهم وعامتهم على السواء، كما جمعت كلمتهم على مجموعة واحدة من نصوص القرآن، ولهذا بقيت السنة بعد تدوينها فيها مجال للاختلاف وإليها منفذ للوضع والافتراء، وقد فكر الخليفة المنصور العباسي في أن يكون مجموعة من السنة وينشرها بين المسلمين يجمع كلمتهم عليها والرجوع إليها، فأمر إمام المدينة مالك بن أنس أن يكتب من السنن كتابا يتجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر، فكتب الإمام مالك كتابه الموطأ، وأراد المنصور أن ينفذ فكرته ويحمل الناس على الرجوع إليه وحده فقال له مالك: لا سبيل إلى ذلك يا أمير المؤمنين؛ لأن الصحابة افترقوا بعد الرسول كل يتبع ما صح عنده. وكلهم على هدى وكلهم يريد الله، فعدل المنصور عما أراد.

الخطة التشريعية في هذا العهد:

في صدر هذا العهد حين كانت السلطة التشريعية في طبقة التابعين وكبار تابعيهم، كانت خطتهم التشريعية هي خطة أساتذتهم من الصحابة في رجوعهم إلى مصادر التشريع، وفي مبادئها العامة التي راعوها في تشريعهم، ولهذا كانت فتاويهم على قدر ما وقع من الحوادث والأقضية، ولم تتسع مسافات الخلاف بينهم ولم تتجاوز أسباب اختلافهم الأسباب الثلاثة التي من أجلها اختلفت فتاوى الصحابة، ولكن من ابتداء هذا العهد وقعت بين بعض رجال التشريع مناظرات واختلافات، وكانت تؤذن بظهور خطط تشريعية جديدة، فقد وقعت في المدينة بحوث تشريعية بين: ربيعة بن أبي عبد الرحمن وبين محمد بن شهاب الزهري ونظرائه، أدت إلى أن كثيرين من فقهاء المدينة كانوا يفارقون مجلس ربيعة، وإلى أنهم لقبوه ربيعة الرأي، ووقع في الكوفة مثل هذا بين إبراهيم النخعي، وبين

<<  <   >  >>