أستاذه مالك بن أنس، وكما انفصل أحمد عن أستاذه الشافعي. ومن أشهر أصحاب أبي حنيفة صاحباه: أبو يوسف، ومحمد بن الحسن.
فأما أبو يوسف، فهو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ولد سنة ١١٣هـ، وتوفي سنة ١٩٣هـ. وكان يشتغل أولا برواية الحديث، ثم اتصل بأبي حنيفة، فكان أكبر أصحابه وأفضل معين له. وله كتاب الخراج في نظام الأموال والضرائب، وقد طبع أكثر من مرة. وهو الذي نشر مذهب أبي حنيفة؛ لأنه كان قاضي القضاة في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد. فكان لا يولي قاضيا إلا كان على مذهب أبي حنيفة.
وأما محمد بن الحسن، فقد ولد سنة ١٣٢هـ، وتوفي سنة ١٨٩هـ، نشأ بالكوفة وكان يحضر مجلس أبي حنيفة وهو صغير، وكان أبو حنيفة يتوسم فيه النباهة والذكاء، ولكن أبا حنيفة توفي وهو صغير السن؛ فأتم دراسته على أبي يوسف، وهو الذي جمع مسائل فقه أبي حنيفة، وتولى كتابتها وأملاها في كتبه الستة المشهورة وهي الأصل المسمى: بمبسوط محمد، والجامع الكبير، والجامع الصغير، وكتاب السير الكبير وكتاب السير الصغير، والزيادات. وله كتب أخرى لم ترو عنه بالشهرة التي رويت بها الكتب الأولى، ولذا سميت بالنوادر. ولأبي يوسف كتب مروية عنه كذلك، وزيد على ذلك فيما يعد أجوبة الفتاوى لحوادث لم توجد لها أجوبة فيما نقل عن الأصحاب سميت: بالواقعات. وبذا صارت مسائل الفقه الحنفي مؤلفة من ثلاثة أنواع:
الأول: كتب ظاهر الرواية، وهو المرجع الذي يعتمد عليه في المذهب الحنفي.
والثاني: كتب النوادر، وهي في الرتبة الثانية.
والثالث: الواقعات، وهي في الرتبة الثالثة؛ لأنها تخريجات لمشايخ المذهب.
وقد انتشر المذهب الحنفي بقوة السلطان في بلاد المشرق بواسطة أبي يوسف كما أسلفنا وبإيثار الخلفاء العباسيين له في القضاء على غيره، وانتشر كثيرا ببلاد المغرب إلى قريب سنة "٤٠٠" حتى غلب على جزيرة صقلية "سيسليا"، وانتشر بمصر أيضا في أوائل الدولة العباسية، وزاحمه مذهب مالك، ومذهب الشافعي، وهو الآن منتشر في بلاد الهند بكثرة عظيمة جدا. وهو السائد على البلاد التركية،