للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصالح التي قصدوها بما شرعوه من الأحكام هي مصالح مرسلة، وقد شرعوا بناء عليها؛ لأنه مصلحة؛ ولأنها لا دليل من الشارع على إلغائها، وما وقفوا عن التشريع لمصلحة حتى يشهد شاهد شرعي باعتبارها، ولهذا قال القرافي: "إن الصحبة عملوا أمورا لمطلق المصلحة لا لتقدم شاهد بالاعتبار" وقال ابن عقيل: "السياسة كل فعل تكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول، ولا نزل به وحي، ومن قال: "لا سياسة إلا بما نطق به الشرع فقد غلط وغلط الصحابة في شريعتهم".

٣- شروط الاحتجاج بها:

من يحتجون بالمصلحة المرسلة احتاطوا للاحتجاج بها حتى لا تكون بابا للتشريع بالهوى والتشهي، ولهذا اشترطوا في المصلحة المرسلة التي يبني عليها التشريع شروطا ثلاثة:

أولها: أن تكون مصلحة حقيقية وليست مصلحة وهمية، والمراد بهذا أن يتحقق من أن تشريع الحكم في الواقعة يجلب نفعا أو يدفع ضررًا، وأما مجرد توهم أن التشريع يجلب نفعًا، من غير موازنة بين ما يجلبه من ضرر، فهذا بناء على مصلحة وهمية. ومثال هذه المصلحة التي تتوهم في سلب الزوج حق تطليق زوجته، وجعل حق التطليق للقاضي فقط في جميع الحالات.

ثانيها: أن تكون مصلحة عامة وليست مصلحة شخصية. والمراد بهذا أن يتحقق من أن تشريع الحكم في الواقعة يجلب نفعا لأكبر عدد من الناس، أو يدفع ضررا عنهم وليس لمصلحة فرد أو أفراد قلائل منهم. فلا يشرع الحكم؛ لأنه يحقق مصلحة خاصة بأمير أو عظيم، بصرف النظر عن جمهور الناس ومصالحهم. فلا بد أن تكون لمنفعة جمهور الناس.

ثالثها: أن لا يعارض التشريع لهذه المصلحة حكما، أو مبدأ ثبت بالنص أو الإجماع لا يصح اعتبار المصلحة التي تقتضي مساواة الابن والبنت في الإرث؛ لأن هذه مصلحة ملغاة لمعارضتها نص القرآن، ولهذا كانت فتوى يحيى بن يحيى الليثي المالكي فقيه الأندلس، وتلميذ الإمام مالك بن أنس خاطئة؛ وذلك أن أحد ملوك الأندلس أفطر عمدا في رمضان، فأفتاه الإمام يحيى بأنه لا كفارة لإفطاره إلا أن يصوم شهرين متتابعين، وبنى فتواه على أن المصلحة تقتضي هذا، إذ أن

<<  <   >  >>