للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقصود من الكفارة زجر المذنب وردعه حتى لا يعود إلى مثل ذنبه، ولا يردع هذا الملك إلا هذا، فأما إعتاقه رقبة فهذا يسير عليه ولا ردع فيه. فهذه الفتوى بنيت على مصلحة ولكنها تعارض نصا؛ لأن النص صريح في أن كفارة من أفطر في رمضان عمدا إعتاق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، بلا تفريق بين ملك يفطر وفقير يفطر، فالمصلحة التي اعتبرها المفتي لإلزام الملك بالتكفير بصيام شهرين خاصة مصلحة ليست مرسلة بل هي ملغاة.

ومن هذا يتبين أن المصلحة، وبعبارة أخرى الوصف المناسب إذا دل شاهد شرعي على اعتباره بنوع من أنواع الاعتبار، فهو المناسب المعتبر من الشارع، وهو إما المناسب المؤثر أو المناسب الملائم، وإذا دل شاهد شرعي على إلغاء اعتباره فهو المناسب الملغي، وإذا لم يدل شاهد شرعي على اعتباره، ولا على إلغائه فهو المناسب المرسل، وبعبارة أخرى المصلحة المرسلة.

أظهر شبه من لا يحتجون بها:

ذهب بعض علماء المسلمين إلى أن المصلحة المرسلة التي لم يشهد شاهد شرعي باعتبارها، ولا بإلغائها لا يبنى عليها تشريع.

ودليلهم أمران:

الأول: أن الشريعة راعت كل مصالح الناس نصوصها، وبما أرشدت إليه من القياس، والشارع لم يترك النالس سدى، ولم يهمل أية مصلحة من غير إرشاد إلى التشريع لها، فلا مصلحة إلا ولها شاهد من الشارع باعتبارها، والمصلحة التي لا شاهد من الشارع باعتبارها ليست في الحقيقة مصلحة، وما هي إلا مصلحة وهمية ولا يصح بناء التشريع عليها.

والثاني: أن التشريع بناء على مطلق المصلحة فيه فتح باب لأهواء ذوي الأهواء، من الولاة والأمراء ورجال الإفتاء، فبعض هؤلاء قد يغلب عليهم الهوى والغرض فيتخيلون المفاسد مصالح، والمصالح أمور تقديرية تختلف باختلاف الآراء والبيئات، ففتح باب التشريع لمطلق المصلحة فتح باب الشر.

والظاهر لي: هو ترجيح بناء التشريع على المصلحة المرسلة؛ لأنه إذا لم يفتح

<<  <   >  >>