فهذا مما يدل دلالةً ظاهرةً أن الإمام أحمد لا يرى أن كل مَنْ قال بمقالةٍ باطلةٍ استوجب الحكم المطلق لتلك المقالة، ولهذا فرق هنا بين القائلين بالوقف في القرآن مِمن يقولون: لا نقول هو مخلوق ولا غير مخلوق، فلم يجعل حكمهم واحدًا، وإنما أخبر أن مَنْ كان منهم من أهل الكلام فهو جهمي، ومَن كان منهم من أهل العلم وليس من أهل الكلام فهذا يهجر حتى يرجع عن هذه المقالة، ومَن لم يكن مِنْ أهل العلم فهذا جاهل يسأل ويتعلم حتى يعرف الحق، فجعلهم على ثلاثة أحكام بحسب تفاوت أحوالهم.
وبهذا يظهر جهل المالكي عندما زعم أنه يلزم على مذهب أحمد تكفير مَنْ لم يكفر مَنْ قال بخلق القرآن من المعاصرين، قال:«وعلى هذا نكون جميعًا كفارًا على مذهب أحمد».
فيقال له: إن الإمام أحمد فرق بين مَنْ وافق الجهمية من أهل الكلام، وبين مَنْ وافقهم من أهل العلم من أهل السنة بشبهةٍ أو جهلٍ.
وأنت تقر هنا بأنك لا تكفر مَنْ قال بخلق القرآن مع ميلك للجهمية، بل تمجيدك لهم وثناؤك عليهم وتفضيلك لهم على أهل السنة -على ما تقدم من كلامك-، فلا يبعد -والحالة هذه- أن تكون من أصحاب القسم الأول الذين أخبر الإمام أحمد أنهم جهمية.
وأما مَنْ لم يكفر مَنْ قال بخلق القرآن من أهل السنة المتبعين لطريقة السلف بسبب خفاء هذه المسألة عليهم، فهؤلاء الذين لا يلحقون بالجهمية بل يُعَلمون ويناصحون.