ومن وصل إلى المال بغير تعب لم يكترث به ولم يشح عليه وبذله في غير موضعه كما يفعل الوراث ومن يجري مجراهم.
وأما من وصل إليه بتعب وسافر في طلبه وشقى بجمعه فإنه لا محالة يكون شديد الضن به والمحبة له. ولهذه العلة صارت الأم أكثر محبة للولد من الأب ويعرض لها من الحنين والوله أضعاف ما يعرض للأب.
وبهذا النوع من المحبة يحب الشاعر شعره ويعجب به أكثر من أعجاب غيره ولك فاعل فعل يتعب به فهو يحب فعله. وأيضا فإن المنفعل لا يتعب كتعب الفاعل والآخذ منفعل والمعطي فاعل فمن هذه الوجوه يتبين أن مصطنع المعروف يحب من أحسن إليه حيا شديدا. ومن الناس من يصطنع المعروف لأجل الخير نفسه. ومنهم من يصطنعه لأجل الذكر الجميل. ومنهم من يصطنعه رياء فقط. ومن البين أن أعلاهم مرتبة من صنعه لذاته أعني لذات الخير. وصاحب هذه الرتبة لا يعرف الذكر الجميل والثناء الباقي ومحبة من لم يصطنع المعروف عنده وإن لم يقصد ذلك الفعل ولا بالنية.
ولما حكمنا فيما تقدم حكما مقبولا لا يرده أحد وهو أن كل إنسان يجب نفسه وكانت هذه المحبة لا محالة تنقسم بالأقسام الثلاثة التي ذكرناها أعني اللذة والمنافع والخير وجب من ذلك أن لا يوجد من لا يميز بين هذه الأقسام حتى يعرف الأفضل، فالأفضل منها فلا يدري كيف يحسن إلى نفسه التي هي محبوبته فيقع في ضروب من الخطأ لجهله بالخير الحقيقي.
ولذلك صار بعض الناس يختار لنفسه سيرة اللذة وبعضهم سيرة الكرامة والمنافع لأنهم لا يعرفون ما هو أفضل منها.