القرائن المستملحة والاستشهادات الحسنة ويحاضر بالحكايات والنوادر والأشعار وأيام الناس والتواريخ، وعلى ذهنه من ذلك جملة طائلة. وسمع الحديث الكثير ورواه، وكان له عناية بهذا الشأن وإلمام بمعرفته.
ومن غريب الاتفاق أنني اجتزت بمدينة الكرك في عودي من الحجاز الشريف في أول صفر سنة أربع وسبعين، فاجتمع بي فقير من أهل الكرك يعرف بالجمال ابن الضياء، كان يصحبه ويكثر من التردد إليه والإقامة عنده ببعلبك، وعزاني فيه: فقلت له: أنت واهم، الرجل في خير وعافية وإنما المخبر لك سمع بوفاة الأمير سيف الدين الجاكي وهو متولي بلاد بعلبك وبرها فظن أنه كمال الدين، فقال: كذا أخبرني شخص أنه مات في هذه الأيام، فقلت: يحتمل واغتممت لذلك، فلما رحلنا من الكرك وقاربنا دمشق، لقينا جماعة من أهل بعلبك ودمشق في الطريق على مراحل من دمشق، فسألناهم عنه؛ فذكروا أنه في نهاية الطيبة والصحة وأنه يتوجه في مهم إلى بلد طرابلس صحبة الأمير سيف الدين بلبان الرومي الدوادار، فسررت بذلك، فلما دخلت دمشق جاءت الأخبار بوفاته على ما شرحناه رحمه الله تعالى؛ ولما توفي عمل عزاؤه في مقام إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه بقلعة بعلبك، وحضر صاحبنا الموفق عبد الله بن عمر الأنصاري رحمه الله تعالى وتكلم في العزاء بما يناسب، وأنشد هذه الأبيات:
يا منزلاً لم يبق فيه مقيم ... هذا المقام فأين إبراهيم
عجباً لعين عاينت آثاره ... من بارق الهاوي كيف يشيم