البندقداري لا يملك أن يملك. فلما ملك صار له فيه عقيدة عظيمة وقرّبه وأدناه، وكان ينزل إلى زيارته في الأسبوع مرة أو مرتين أو ثلاثاً على قدر ما يتفق؛ لكنه لم يكن يغب زيارته والاجتماع به ويطلعه على غوامض أسراره، ويستشيره في أموره، ولا يخرج عن رأيه، ويستصحبه في سائر أسفاره وغزواته. وفي ذلك يقول الشريف شرف الدين محمد بن رضوان الناسخ:
ما الظاهر السلطان إلا مالك ال ... دنيا بذاك لنا الملاحم تخبر
ولنا دليل واضح كالشمس في ... وسط السماء بكل عين تنظر
لما رأينا الخضر يقدم جيشه ... أبداً علمنا أنه الاسكندر
وكان يخبر الملك الظاهر بأمور قبل وقوعها فتقع على ما يخبر به.
ولما حاصر الملك الظاهر أرسوف وهي من أوائل فتوحاته سأله متى تؤخذ، فعين له اليوم الذي تؤخذ فيه فوافق، وكذلك في قيسارية وصفد.
ولما عاد الملك الظاهر رحمه الله تعالى من دمشق إلى جهة الكرك سنة خمس وستين استشاره في قصده. فأشار عليه أن لا يقصده وأن يتوجه إلى الديار المصرية، فلم يوافق قوله غرضه، فخالفه وقصده. فلما كان ببركة زيزاء تقنطر فانكسرت فخذه وأقام مكانه أياماً كثيرة، ثم حمل في محفة إلى غزة ثم أتى الديار المصرية على أعناق الرجال. ولما قصد الملك الظاهر منازلة حصن الأكراد ومحاصرته اجتاز الشيخ خضر ببعلبك ونزل بالزاوية التي عمّرت له بظاهرها، وخرج نواب السلطنة وبعض أهل البلد إلى خدمته، وكنت