والأول أظهر كما قد بسط في موضعه، فإنه قد ثبت بدلالة الكتاب والسنة أن من فعل محظوراً مخطئاً أو ناسياً لم يؤاخذه الله بذلك، وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله، فلا يكون عليه إثم (١) ،، ومن لا إثم عليه، لم يكن عاصيا، ولا مرتكبا لما نهي عنه، وحينئذ فيكون قد فعل ما أمر به، ولم يفعل ما نهي عنه، ومثل هذا لا يبطل عبادته، إنما يبطل العبادات إذا لم يفعل ما أمر به، أو فعل ما حظر عليه.
(١) الحقيقة أن هذا هو الفقه العظيم، إذا كان الله لم يؤاخذه فمعناه أنه بمنزلة من لم يفعله، فما دام معفوا عنه فكأنه لم يفعله، وإذا لم يفعله هل يجب عليه قضاء أو كفارة؟ قلنا: لا يجب قضاء ولا كفارة، وكذلك يقال في جميع المحظورات في العبادات، ففي الصلاة إذا تكلم جاهلا أو ناسيا لم يؤاخذ، فيكون بمنزلة من لم يتكلم، وفي الصيام إذا أكل أو شرب ناسيا لم يؤاخذ، فيكون بمنزلة من لم يأكل ويشرب، وفي الحج إذا فعل محظورا ناسيا أو جاهلا فيكون غير مؤاخذ، فهو بمنزلة من لم يفعله، وهذا الفقه من شيخ الإسلام - رحمه الله - عظيم، فكل ما لم تؤاخذ عليه فكأنه معدوم، إلا في شيء واحد وهو المأمورات، وذلك إذا تركت شيئا مأمورا فالعبادة ناقصة، وما أتيت بها، فلابد أن تأتي بها على ما أمرت؛ ولهذا لم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الجاهل الذي كان يصلي بلا طمأنينة، بل قال له: «ارجع فصل فإنك لم تصل» [أخرجه البخاري في صفة الصلاة/باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت (٧٢٤) ؛ ومسلم في الصلاة/باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها (٣٩٧) ] ؛ لأنه ترك واجبا، لكن لم يأمره بقضاء ما سبق من الصلوات؛ لأنه لم تبلغه الشريعة، ولا تلزم الشرائع إلا بعد العلم.