للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عاصم عَنْ زر: قلت لحُذيفةَ: أي ساعة تسحرت مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: «هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع» . رواه ابن ماجه، ورواه النسائي أيضاً من حديث شعبة عن عدي بن ثابتٍ عن زر، وعن أبي يعفور عن إبراهيم عن صلة ولم يرفعاه، وقال: لا نعلم أحداً رفعه غير عاصم، فإن كان رفعه صحيحاً، فمعناه: أنه قرب النهار، ولفظ أحمد: قلت: أبعد الصبح؟ قال: نعم، هو الصبح غير أن لم تطلع الشمس. وعاصم في حديثه اضطراب ونكارة، فرواية الإثبات أولى، وقال ابن عمر: إن ابن أم مكتوم كان لا يؤذِّنُ حتى يقال له: أصبحْتَ أصبحْتَ. متفق عليه، ومعناه: قَرُبَ الصُّبحُ، وعن أبي هريرة مرفوعاً: «إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» رواه أبو داود، فمعناه: أنه لم يتحقق طلوع الفجر، وقال: مسروق. لم يكونوا يعدون الفجر فجركم، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق. ذكره ابن المنذر وغيره، فإن صح، فهو رأي طائفة، مع احتمال معناه تحقق طلوع الفجر (١) .


(١) الصواب أن له أن يأكل ويشرب حتى يتبين الفجر، وإذا تبين الفجر وجب الإمساك؛ لقوله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: ١٨٧] ، هذا كلام الله تعالى، ولا قول لأحد بعد هذا، وهؤلاء الذين اجتهدوا وقالوا: إن له أن يأكل حتى يملأ الفجر البيوت، أو ما لم تطلع الشمس، وما أشبه ذلك، يكون رأياً اجتهادياً مردوداً، فإن الآية صريحة في هذا، وكيف نقول: لك أن تأكل حتى يملأ الفجر البيوت، والله يقول: {حتى يتبين لكم} [البقرة: ١٨٧] ؟! فالصواب أنه لا يأكل.

بقي مسألة، وهي: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» [أخرجه أبو داود في الصوم/باب في الرجل يسمع الأذان والإناء على يده (٢٣٥٠) ] ، فهل نقول: بأن المؤذن قد تعجل وأذن قبل الوقت فرخص في الشرب؟ وهل مثل ذلك لو أذن واللقمة في فمه، فهل له أن يبتلعها؟ الظاهر: نعم، وأنها مثل الشرب أو أولى مادامت في فمه، وهذا أبلغ من كون الإناء في يده في مسألة الشرب، ولعل هذا - والله أعلم - لأن الفجر خفي، يعني: ليس كالشمس إذا غربت، فالشمس إذا غربت تُرى وتُعرف أنها غابت أو لم تغب، أما الفجر فيطلع شيئا فشيئا، ولا يمكن إدراكه بالتأكيد، فلهذا رخص للإنسان إذا كان الإناء في يده أن يشرب حتى يروى، وإذا كانت اللقمة في فيه أن يأكلها، هذا إذا كان المؤذن يؤذن على طلوع الفجر، أما إذا كان يؤذن على التقويم الذي قد يخالفه من يخالفه ممن شاهدوا الفجر، كما شهد عندنا جماعة أنهم يقولون: إننا شاهدنا الفجر في جميع فصول السنة، ووجدنا أن التقويم متقدم، فبعضهم يبالغ حتى ثلث ساعة -ولكن هذه مبالغة-، وبعضهم ربع ساعة، أو عشر دقائق، فالمهم أن الأمر - والحمد لله - واسع، فإذا كان أذان المؤذن على حسب التقويم فلنا أن نأكل ونشرب حتى يتم الأذان، ولكن بعض المؤذنين جزاهم الله خيراً يتأخرون خمس دقائق عن التقويم.

<<  <   >  >>