للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدها: أن القياس وإن كان حجة إذا اعتبرت شروط صحته فقد قلنا في الأصول: إن الأحكام الشرعية كلها بينتها النصوص أيضا، وإن دل القياس الصحيح على مثل ما دل عليه النص دلالة خفية، فإذا علمنا بأن الرسول لم يحرم الشيء ولم يوجبه علمنا أنه ليس بحرام ولا واجب، وأن القياس المثبت لوجوبه وتحريمه فاسد، ونحن نعلم أنه

ليس في الكتاب والسنة ما يدل على الإفطار بهذه الأشياء التي ذكرها بعض أهل الفقه، فعلمنا أنها ليست مفطرة.

الثاني: أن الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما، ولا بد أن تنقلها الأمة، فإذا انتفى هذا علم أن هذا ليس من دينه، وهذا كما يعلم أنه لم يفرض صيام شهر غير رمضان، ولا حج بيت غير البيت الحرام، ولا صلاة مكتوبة غير الخمس، ولم يوجب الغسل في مباشرة المرأة بلا إنزال، ولا أوجب الوضوء من الفزع العظيم (١) ، وإن كان في مظنة خروج الخارج، ولا سن الركعتين بعد الطواف بين الصفا والمروة كما سن الركعتين بعد الطواف بالبيت (٢) ، وبهذا يعلم أن المني ليس بنجس؛ لأنه لم ينقل عن أحد بإسناد يحتج به أنه أمر المسلمين بغسل أبدانهم وثيابهم من المني مع عموم البلوى بذلك، بل أمر الحائض أن تغسل قميصها من دم الحيض مع قلة الحاجة إلى ذلك، ولم يأمر المسلمين بغسل أبدانهم وثيابهم من المني.


(١) الفزع العظيم مظنة خروج الخارج، سواء كان بولا أم غائطا أم ريحا، ولهذا ذكر بعض الفقهاء: أنه لو صاح بإنسان ففزع ثم أحدث فعليه ثلث الدية، وهذه غير مسلمة، ولكن قصدنا أن الإنسان إذا فزع فربما يحصل منه حدث.
(٢) وكذلك نعلم أنه لم يشرع السعي بين الصفا والمروة في غير حج أو عمرة، خلافا لما يظن بعض الناس، فتجد بعض العوام يسعى وهو مرتد ثيابه، فتقول له: لماذا؟ فيقول: إن الله عز وجل يقول: {ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم} [البقرة: ١٥٨] . فيظن التطوع حتى في السعي.

<<  <   >  >>