للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلو لم يرد النص بذلك لعلم بالعقل أن هذا من جنس الشرب، فإنهما لا يفترقان إلا في دخول الماء من الفم، وذلك غير معتبر، بل دخول الماء إلى الفم وحده لا يفطر، فليس هو مفطراً ولا جزءاً من المفطر؛ لعدم تأثيره، بل هو طريق إلى الفطر، وليس كذلك الكحل والحقنة ومداواة الجائفة والمأمومة؛ فإن الكحل لا يغذي البتة، ولا يدخل أحد كحلا إلى جوفه، لا من أنفه ولا فمه، وكذلك الحقنة لا تغذي، بل تستفرغ ما في البدن كما لو شم شيئا من المسهلات، أو فزع فزعا أوجب استطلاق جوفه، وهي لا تصل إلى المعدة، والدواء الذي يصل إلى المعدة في مداواة الجائفة والمأمومة لا يشبه ما يصل إليها من غذائه، والله سبحانه قال: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} (١) ،


(١) الجائفة هي: الجرح يصل إلى باطن الجوف، والشيخ رحمه الله يقول: إن القياس -قياس الكحل والاحتقان وما أشبهها - على الأكل والشرب غير وارد أصلا، فلو قال قائل: هل يقاس على الاستنشاق؟ يقول الشيخ رحمه الله: لا؛ لأن مستنشق الماء يتغذى به، ويصل إلى معدته، لكن هل المكتحل يتغذى بالكحل؟ الجواب: لا، حتى ولو وصل إلى المعدة - فرضا- فإنه لا يتغذى به، فلا يمكن أن يقاس هذا على هذا.

وهذا هو مضمون كلامه، وهو واضح، والحقنة لا شك أنها تصل إلى الأمعاء، ولكن هل الأمعاء تتغذى بها، أو يستخرج ما كان ماكثا في الأمعاء؟ الجواب: الثاني بلا شك، فكيف يقاس هذا على هذا؟!

وهناك تعليق لمحمد رشيد رضا رحمه الله، يقول: (قال في «المصباح» : وحقنت المريض: إذا أوصلت الدواء إلى باطنه من مخرجه بالمحقنة - بالكسر - واحتقن هو، والاسم الحقنة، مثل الفرقة من الافتراق، ثم أُطلقت على ما يتداوى به، والجمع حقن، مثل غرفة وغرف.

فهذه هي الحقنة التي يقول شيخ الإسلام: إنها لا تفطر الصائم، وقوله حق، ولكن يوجد في هذا الزمان حقن أخر، وهي إيصال بعض المواد المغذية إلى الأمعاء، يقصد بها تغذية بعض المرضى، والأمعاء من الجهاز الهضمي كالمعدة، وقد تغني عنها، فهذا النوع من الحقنة يفطر الصائم، فهو لا يباح له إلا في المرض المبيح للفطر) ا. هـ كلام الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله.

<<  <   >  >>