قال الخطابي: وذكر أبو داود: أن حفص بن غياث رواه عن هشام، كما رواه عيسى بن يونس. قال: ولا أعلم خلافا بين أهل العلم في أن من ذرعه القيء فإنه لا قضاء عليه، ولا في أن من استقاء عامداً فعليه القضاء، ولكن اختلفوا في الكفارة، فقال عامة أهل العلم: ليس عليه غير القضاء، وقال عطاء: عليه القضاء والكفارة، وحكي عن الأوزاعي، وهو قول أبي ثور.
قلت: وهو مقتضى إحدى الروايتين عن أحمد في إيجابه الكفارة على المحتجم، فإنه إذا أوجبها على المحتجم فعلى المستقيء أولى، لكن ظاهر مذهبه أن الكفارة لا تجب بغير الجماع، كقول الشافعي (١) .
والذين لم يثبتوا هذا الحديث لم يبلغهم من وجه يعتمدونه، وقد أشاروا إلى علته، وهو انفراد عيسى بن يونس، وقد ثبت أنه لم ينفرد به، بل وافقه عليه حفص بن غياث.
والحديث [الآخر] يشهد له، وهو: ما رواه أحمد، وأهل السنن - كالترمذي- عن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، فذكرت ذلك لثوبان، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءاً. لكن لفظ أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ. رواه أحمد عن حسين المعلم.
قال الأثرم: قلت لأحمد: قد اضطربوا في هذا الحديث، فقال: حسين المعلم يجوده. وقال الترمذي: حديث حسين أرجح شيء في هذا الباب.
(١) وهذا هو الصحيح أنه لا كفارة إلا بالجماع، وذلك أن الأصل براءة الذمة، ولا يمكن أن نلزم عباد الله بشيء دون دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع؛ لأننا مسئولون عن إيجاب ما لا يجب، كما أننا مسئولون عن تحريم ما لم يحرم، فالصواب: أن الإنسان إذا تعمد الفطر في رمضان، يعني: صام ثم أفطر عمدا أنه آثم، ويلزمه الإمساك بقية اليوم، وعليه القضاء، وأما الكفارة فلا تجب إلا بالجماع.