في أعلى المنازل، وهو معرفة اللَّه -تعالى-، والفرائض التي نقلت من الإِستفاضة والنقل المتواتر، والواجب الذي ليس بفرض عبارة عما كان في أدنى منازله، وهو ما ثبت من جهة الآحاد، أو ما ساغ الإِجتهاد في تركه، مثل المضمضة والإِستنشاق وصدقة الفطر، أو يثبت من المكلف على نفسه، من غير إيجاب اللَّه -تعالى-، مثل النذور وما يوجبه على نفسه بالدخول فيه.
وقد نقل عبد اللَّه وأبو الحارث عنه، كل ما في الصلاة فرض، فظاهر هذا أن التسبيح في الركوع والسجود، والتكبير غير تكبيرة الإِحرام، وقول: سمع اللَّه لمن حمده، والتشهد الأول، ونحو ذلك ممّا هو واجب ويثبت من طريق يسوغ في الإِجتهاد أنه يسمى فرضًا فعلى هذا الفرض والواجب سواء، والأول إختيار أبي إسحاق بن شاقلا، لأنني وجدت له كلامًا يدل على ذلك.
وجه من قال: هما في الإِسم سواء، قال حدّ الواجب ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه إلى غير بدل، وحدّ الفرض كذلك وإذا كانا في الحكم سواءًا، وجب أن يكونا في المرتبة سواءًا، ولو قيل الواجب أقوى لأنَّه لا ينقسم إلى غير واجب كان أولى، فإن الفرض ينقسم إلى واجب، وإلى تقدير، يؤكد هذا أن النقل والندب يجريان مجرًى واحدًا في المنزلة، وإن كانا يختلفان في الإِسم، كذلك هاهنا.
ووجه من فرق بينهما، قال: موضوعها مختلف في اللغة، وذلك أنّ الوجوب مأخوذ من السقوط، يقال وجب الحائط يعني سقط، والفرض عبارة عن التأثير يقال فرضة القوس لموضع حزه، وفرضة النهر، لأنه جرى في المسلك في النهر، والسقوط قد يحصل من غير أن يؤثر فيما يسقط عليه، فصار ما يؤثر أبلغ في بابه مما لا يؤثر، فكان الفرض عبارة عما يؤثر في نفس المكان من الدعاء إلى إيقاعه، وفعله، والمبادرة إليه، بما لا يؤثر فيه الواجب، فبان أن المستفاد بأحد اللفظين غير المستفاد بالآخر، وقد قيل: إن الفرض عبارة عن التقدير، من ذلك قوله: فرائض الإِبل، يعني مقاديرها،