التخصيص به، والعمدة لهذا القائل: أن القياس إنما يصح إذا جرى على الأصول واطرد، وهذا العموم من جملته، وهو ينافيه، فيجب أن لا يصح القياس معه، كما لا يجوز مع وجود الإِجماع على ضده، لأنه لم يجر على الأصول هناك، كذلك ها هنا، ويبين صحة هذا أنّه لا يجوز النسخ به، لأنّ المنسوخ معارض له، ومضاد له، فلم يصح نسخه به، لأنّه لا يجري على الأصول، كذلك في التخصيص، لأنّه ضد العموم، فلم يقابله، لأنّه لا يجري على الأصول، والنسخ والتخصيص سواء، لأن النسخ تخصيص الزمان، وهذا تخصيص الأعيان، فإن قيل: ليس إذا لم ينسخ لم يخص، كخبر الأحاد لا ينسخ ويخص، قيل: لأن خبر الواحد ليس من شرطه أن يسلم على الأصول، فإن قيل: فلا يسلم إنما خصصه كان مرادًا بالعموم حتى يكون معارضًا له، ومضادًا له، قيل: الدلالة على صحة ذلك أنّه لولا القياس لوجب إجراء العموم في هذه العين المختلف فيها، وإنما هذا القياس عارضه ومنعه عندك.
ومن أجاز التخصيص به فوجهه أن صيغة العموم معرضة للتخصيص محتملة له، والقياس غير محتمل فجاز أن يقضي بغير المحتمل على المحتمل، كالمجمل وتفسيره، قلنا نقضي بتفسيره عليه، ولأن العموم ظاهر والقياس باطن، فكان الباطن مقدمًا عليه، كالجرح والتعديل، ولأن القياس -وإن لم يكن معلومًا- فإنه يثبت العمل به بأمر مقطوع به، وكذلك شهادة الشاهدين لا يقطع الحاكم بها، ولكن يثبت بأمر مقطوع به وما ثبت عن أمر مقطوع به جرى مجراه في العمل، ألا ترى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لو قال: إذا زالت الشمس فصلوا ركعتين، وما أخبركم به عني فلان فهو شرعي، فإن المقطوع به من قوله كالذي يخبر به عنه وإن لم يكن مقطوعًا به، كذلك ها هنا، ولأن القياس حجة في نفسه إذا انفرد، فإذا اجتمع مع آخر وأمكن استعمال كل واحد منهما كان أولى من إسقاط أحدهما، كالمطلق والمقيد، كذلك ها هنا، يمكن استعمالهما جميعًا.