للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والصوابُ: أنه مَحمود في صُنْعه وفي شَرْعه أيضًا؛ فإن شَرْعه عَزَّ وَجَلَّ أكمَلُ الشَّرائع وأَنفَعُها للعِباد، ومَن سنَّ للخَلْق طريقًا تَستَقيم به أُمورهم فهو أهلٌ للحَمْد؛ فالآنَ لو أنَّ أحَدًا دلَّك على طريق بلد في سَفْرة واحِدة من سفراتك فإنك تَحمَده؛ فكيف بمَن دلَّكَ على طريق الآخِرة في كلِّ ما تَحتاج إليه؟ !

فالصَّوابُ: أنَّ حَميد بمَعنَى حامِد ومَحمود، وحَميد في صُنْعه وفي شَرْعِهِ؛ فصُنْعه الذي هو الخَلْق يُحمَد عليه عَزَّ وَجَلَّ على إيجاده، وعلى إعداده وعلى إِمْداده، وهو أيضًا حَميد في شَرْعه، يُحمَد عليه؛ لمَا في شَرْعه من العَدْل والحِكْمة والرحمة التي لا نَظيرَ لها.

وما أعظَمَ الفائِدةَ في اقتِران الحميد بالغَنيِّ! لأنه -كما تَقدَّم- أسماء اللَّهِ تعالى كلُّها حُسنَى، وتَدُلُّ على مَعنًى أَحسَنَ؛ لكن قد يَدُلُّ الاسْمان على صِفة ثالِثة حصَلَت باقتِرانهما؛ فالغِنَى مع الحَمْد يَزداد كَمالًا، لأنه قد يَكون الغَنيُّ غنِيًّا، ولكن غِنًى لا يُحمَد عليه، مِثل البَخيل الغَنيِّ، فإنه غَنيٌّ لكن لا يُحمَد على غِناه؛ لأنه لا يُستَفاد من ماله، وقد حرَم نَفْسه من مَصلحة ماله، لكن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ له الغِنَى المُقتَرِن بالحَمْد؛ لكمال إِحْسانه على خَلْقه من هذا الغِنَى؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: أن مُلْك السَّمَوات للَّه تعالى، وأنه خاصٌّ به، يُؤخَذ من تَقديم الخبَر؛ لأنَّ تَقديم ما حَقُّه التَّأخيرُ يُفيد الحَصْر والاختِصاص.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ الناس لا يَمْلِكُون أموالهم مِلْكًا مُطلَقًا؛ فمثَلًا: أنا أَملِك بَيْتي وسيَّارتي. وما أَشبَه ذلك، لكن مِلْكي لها ليس مُطلَقًا؛ لأنَّ المِلْك المُطلَق للَّه عَزَّ وَجَلَّ؛

<<  <   >  >>