للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن قد يَقول قائِل: كيف؟ وما وجهُ هذا؟

فنَقول: هذا وجهُه؛ إذ إن الإنسان قد يَستَعظِم أن تَكون البِحار -البحر المُحيط ومن ورائِه سَبْعة أَبحُر- مِدادًا، وما في الأرض من الشجَر أقلامًا يُكتَب بها ثُمَّ لا تَنفَد الكلماتُ، قد يَستَعظِم هذا الشيءَ، ولكنه إذا عرَف كَمال قُدْرة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعظَمته لم يَستَعظِم هذا.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [المُعبَّر بها عن مَعلوماته بكَتْبها بتِلْك الأَقْلام بذلك المِدادِ، ولا بأَكثَرَ من ذلك، لأنَّ مَعلوماتِه تعالى غير مُتَناهِية]، عفا اللَّه عن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ، هذا تَحريف! فقد عَبَّر بقوله: إن المُراد بالكَلِمات المعلوماتُ، مَعلوماتُ اللَّه تعالى. يَعنِي: ما نَفِد لا يَعلِمه.

لكن هذا تَحريف ظاهِر للقُرآن، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقول: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ} والكلِمات هي التي تُكتَب، أمَّا المَعلوماتُ فقَدْ تُكتَب وقد لا تُكتَب، فهل كل المَعلومات تَكتُبها؟ ! لكِنَّ كلِماتِك إذا أَرَدْتَ أن تُعبِّر عنها للغَيْر تَنطِق بها وتَكتُبها.

فالمَعنَى: ما نفِدَت كلماتُ اللَّه تعالى، أي: كلِماته بالحَقِّ حقيقة، يَعنِي: الكلِمات الحقيقية لو أُمِليت على أحَدٍ، وصارت البِحَارُ مِدَادًا لها، والأشجار أقلامًا لها، ما نفِدَتْ. ووجهُ ذلك ظاهِرٌ، وهذا يَدُلُّ على عظَمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وكَمال قُدْرته.

قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} لا يُعجِزه شيء، {حَكِيمٌ} لا يَخرُج شيءٌ عن عِلْمه وحِكْمته].

قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَزِيزٌ} يَقول: [لا يُعجِزه شيء] وأحيانا يُعبِّر المُفَسِّر نَفْسه، يَقول: عزيزٌ لا يَغلِبه شيءٌ. وذلك لأنَّ العِزَّة -كما سبَق- تَنقَسِم إلى ثلاثة أقسام:

<<  <   >  >>