للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على ذلك قوله تعالى في الآية العامة الشامِلة: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣]، {وَسَخَّرَ لَكُمْ} كلِمة {لَكُمْ} إِذَن كل ما ذُكِر من التَّسخير في الكون فهو لبني آدَمَ؛ ولهذا يُقال في بعض الآثار: "يَا ابْنَ آدَمَ خَلَقْتُكَ مِنْ أَجْلِي، وَخَلَقْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِكَ"، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، ويَقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩]، ويَقول تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣]، أي: لكم أنتُم.

وذكَر الشمسَ والقَمَرَ بعد ذِكْر الليل والنهار؛ لأن الشَّمْس آيةُ النَّهار، والقمَر آيةُ الليل؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} وهو القمَر {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: ١٢]؛ ولذلك القمَرُ لا نُورَ فيه، إنما يَستَفيد نُورَه من الشَّمْس، كلَّما قابَلها ازداد نُورُه، فإذا تمَّتِ المُقابَلة بينه وبين الشَّمْس في ليلة من ليال الإِدْبار كمَلَ نُوره، ثُمَّ كُلَّما ضعُفَتِ المُقابَلة ضعُف نُورُه.

ثُمَّ قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ} مِنهما {يَجْرِي} في فَلَكه {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} هو يوم القِيامة] {كُلٌّ يَجْرِي}: {كُلٌّ} هذا التَّنوينُ؛ يَقول النَّحويون: إنه عِوَض عن محَذوف، عن كلِمة، يَعنِي: كل واحِد من الشَّمْس والقمَر يَجرِي إلى أَجَل مُسمًّى، العَجيب أنه رُوِيَ عن ابن عَبَّاس -رضي اللَّه عنهما- قال: إن الشَّمْس والقمَر يَجريان في فلَكهما في النهار، ويَجرِيان في فلَكهما تَحتَ الأرض في اللَّيْل (١). وهذا يَدُلُّ على أنَّ ابن عَبَّاس يَرَى الأرض كُروية؛ لأنَّ إذا كان يَجرِي تَحت الأرض فمَعناه


(١) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٤/ ١١٥٠ - ١١٥١)، وعزاه ابن كثير في تفسيره (٦/ ٣١٣) لابن أبي حاتم، وانظر: الدر المنثور (٥/ ٤٣).

<<  <   >  >>